الاثنين، مارس 26، 2012

درع من الأكاذيب



صرح رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل أثناء الحرب العالمية الثانية بأن الحقيقة جوهرة نفيسة ينبغي حمايتها بـ"درع من الأكاذيب". ولهذا السبب، أنشأت بريطانيا تحت قيادة تشرشل قيادة العمليات الخاصة بهدف تضليل النازيين وإرباكهم وخداعهم فيما يتعلق بنوايا الحلفاء وعملياتهم. وبفضل مخطط "الرجل الذي لم يكن" قبل غزو صقلية عام 1943 واختلاق جيش وهمي تحت قيادة الجنرال الأمريكي جورج باتون في إنجلترا قبل الإنزال في نورماندي عام 1944، توهم هتلر أن الحلفاء سوف يشنون هجومهم من موقع مختلف. ونتيجة لذلك، تم حشد أعداد كبيرة من الجنود الألمان في مواقع خاطئة.

ولسوء الحظ فقد اتسع نطاق استخدام درع الأكاذيب ليدخل ميدان السياسة على نطاق واسع خلال العقود الستة الأخيرة، ولم يكن له بالضرورة الأثر الإيجابي الذي أراده له تشرشل. وقد أصبح هذا ينطبق على السياسة الداخلية الأمريكية بالذات لدرجة بات الكذب هو القاعدة والصدق هو الاستثناء.

كانت حرب فيتنام، والتي عجل في اندلاعها وقوع حادثة خليج تونكين في أغسطس 1964، أكبر شاهد على هذا التحول. فقد تعرضت إحدى القطع الحربية الأمريكية لهجوم فردي بالغت إدارة جونسون في تضخيمه حتى حسبه الناس إعلان حرب، ولم يصوت سوى ثلاثة أعضاء في الكونغرس ضد قرار دخول أميركا فيما سمي بعد بالمستنقع الرهيب. كانت الحقيقة أكبر الضحايا بينما أخذ البيت الأبيض في عهد جونسون ومن بعده نيكسون بنشر الأكاذيب وتضليل الشعب الأمريكي حول مسار الحرب. 

الثلاثاء، مارس 20، 2012

أرض الصومال: هل هي الدولة الجديدة التالية؟

دايو أولوبيد*
(نيويورك تايمز)

هل تتمتع بالإرادة دولة غير معترف بها؟ هنا في "جمهورية أرض الصومال"، الجزء الشمالي شبه المستقل من دولة الصومال الممزقة، وجدت أن الإجابة هي: نعم بالتأكيد.

لا تملك الحكومة المركزية في مقديشو أي سلطة فعلية على هرغيسا، عاصمة أرض الصومال، أو على سكان الإقليم البالغ عددهم 3.5 مليون نسمة. ومنذ العام 1991، عندما سقطت الصومال في هاوية الفوضى بعد سقوط نظام الحكم الدكتاتوري لسياد بري، قامت أرض الصومال بكتابة دستور خاص بها، وأجرت أربع انتخابات اتسمت بالسلمية، وأسست بنكا مركزيا يتولى إصدار عملة خاصة بها، وشيدت المدارس والجامعات، وأنشأت جهازا أمنيا متماسكا استطاع النأي بنفسه عن الجماعات الإرهابية مثل "الشباب"، وهي جماعة وهابية تعيث فسادا في الجزء الجنوبي من الصومال.

وبالرغم من أن أرض الصومال تقع بمحاذاة خليج عدن المتلاطم فإن سواحلها ظلت بمأمن من خطر القراصنة، بل إن ثمة 70 قرصانا محتجزين في سجن يخضع للحراسة المشددة في هرغيسا. وعندما دفع الجفاف بمنطقة القرن الأفريقي إلى صدارة عناوين الأخبار في السنة الماضية تمكنت حكومة أرض الصومال من تجاوز أسوأ آثار الأزمة من خلال إنفاق ما يقارب 10 ملايين دولار – جمعتها من مصادر حكومية وأهلية ومن المواطنين المغتربين – بينما كانت أطنان المساعدات الغذائية تتعرض للسلب والنهب في الأجزاء الجنوبية من الصومال.

الربيع يسبق نفسه

هايدي كولين*
(نيويورك تايمز)

لم يعد أول أيام الربيع كما كان في السابق، بل إن العقود الأخيرة شهدت تقهقر بداية فصل الربيع في معظم أنحاء الولايات المتحدة  مما أثر على مختلف جوانب الحياة: من تفتح الأزهار إلى هجرة الحيوانات وتكاثرها- المظاهرالتي تمنح الربيع سحره وعبيره.

قام عالم المناخ مارك شوارتز من جامعة وسكونسن وزملاؤه في الشبكة الوطنية الأمريكية للفينولوجيا بإعداد مؤشر يمكن استخدامه في تقدير بداية موسم النمو الربيعي (وهو يختلف عن اليوم الواقع في شهر مارس والذي يتساوى فيه طول النهار والليل، ويستخدم عادة للتعبير عن اليوم الأول من فصل الربيع)؛ ويقدر هذا المؤشر – المسمى "الورقة الأولى" – اليوم الأول الذي تبدأ فيه الأوراق بالظهور على الأغصان. وقد أظهر المؤشر أن الربيع في الجزء المتصل من الولايات المتحدة (الواقع بين كندا والمكسيك) بدأ قبل ثلاثة أيام من موعده الفعلي، حيث انتقلت "الورقة الأولى" من 10 مارس (المتوسط للفترة بين 1951 و1980) إلى 17 مارس (المتوسط للفترة بين 1981 و2010). وهذه القفزة الزمانية تتواءم مع آثار الاحترار المناخي الإجمالي، والذي بلغ 1.4 درجة مئوية إضافية خلال القرن المنصرم، وهو ما نطلق عليه اسم الاحترار العالمي.

الأحد، مارس 18، 2012

ثنائيو اللغة أكثر ذكاء من أقرانهم


يوديجيت باتاشارجي*
(نيويورك تايمز)


لا شك في أن القدرة على التخاطب بلغتين تعود على صاحبها بالكثير من المنافع في ظل تسارع خطى العولمة في مجتمعاتنا. وفي السنوات الأخيرة وجد العلماء أن فوائد ثنائية اللغة أكثر اتساعا من مجرد القدرة على التحاور مع عدد أكبر من الناس، حيث تبين أن الأفراد القادرين على التحدث بلغتين هم أكثر ذكاء من أقرانهم. ويمكن أن تؤدي ثنائية اللغة إلى آثار عميقة على الدماغ، حيث تعمل على تحسين القدرات المعرفية غير المرتبطة باللغة وربما تكون جدارا واقيا من الخرف عند التقدم في السن.

وتختلف هذه النظرة الجديدة إلى ثنائية اللغة عما كان سائدا خلال معظم سنوات القرن العشرين. فقد ظل الباحثون والمربون وصانعو القرار مقتنعين لمدة طويلة بأن اللغة الثانية، من وجهة النظر المعرفية، ما هي إلا حاجز يقف عائقا أمام النمو الأكاديمي والعقلي السوي للطفل. ولم يكن هؤلاء مخطئين بشأن الحاجز: فهناك أدلة دامغة على أن أدمغة الأفراد ثنائيي اللغة تكون فيها الأنظمة الخاصة بكلتا اللغتين نشطة في آن معا حتى لو لم يستخدم الفرد سوى لغة واحدة، ولا بد أن يؤدي هذا إلى تضارب في عمل تلك الأنظمة. لكن الباحثين توصلوا مؤخرا إلى أن هذا الحاجز لا يمثل إعاقة بقدر ما يمثل ميزة غير مرئية، حيث أنه يجبر الدماغ على ممارسة تمارين ذهنية لعضلاته المعرفية تتبدى نتائجها في التغلب على التضارب الحاصل بين النظامين اللغويين.

ويبدو أن الأفراد ثنائيي اللغة يكونون، على سبيل المثال، أكثر قدرة على التكيف من أقرانهم أحاديي اللغة في حل مختلف أنواع الأحاجي الذهنية. ففي دراسة أجرتها عالمتا النفس إلين بياليستوك وميشيل مارتن- ري عام 2004، طلبت الباحثتان من مجموعة من الأطفال في سن ما قبل المدرسة (بعضهم من أحاديي اللغة والبعض الآخر من ثنائيي اللغة) أن يوزعوا عددا من الدوائر زرقاء اللون والمربعات حمراء اللون كانت معروضة على شاشة الحاسوب أمامهم على سلتين رقميتين: الأولى مرسوم عليها مربع أزرق اللون والثانية مرسوم عليها دائرة حمراء اللون.

الجمعة، مارس 16، 2012

خطابنا المعاصر: بين فساد المقدمات وتخبط المفاهيم


المقدمات الفاسدة لا تؤدي إلا إلى نتائج فاسدة. هكذا قال الأقدمون ولم يختلف معهم أحد من عقلاء المحدثين. وفي السياق ذاته: التخبط في استخدام المفاهيم يجعل صاحب الحق ظالما، ويحيل الظالم مظلوما.

هذه بحد ذاتها مقدمة سوف أنطلق منها لمناقشة بعض عناصر الخطاب المعاصر في تناول بعض القضايا الملحة، وأبرزها على الإطلاق قضية فلسطين ثم قضية سوريا.

عندما هاجم المحتلون بطائراتهم قطاع غزة المحاصر خرج فينا من يقول: إنهم يقتلون المدنيين الأبرياء العزل! وأخذ هؤلاء يترجمون مقولتهم هذه إلى اللغات الأجنبية ويخاطبون بها الغرب محاولين التأثير على وعيهم الحضاري، وضميرهم الأخلاقي. ولقد رأيت استجابة لا بأس بها من الجانب الآخر لهذا النداء، وأخذ البعض منهم يصيحون بحكوماتهم أن ألجموا إسرائيل فقد أوغلت في دماء المدنيين العزل من الفلسطينيين! وكما ينعكس الضوء في المرآة ارتدت هذه الصورة إلينا معكوسة، فصرنا يحدث بعضنا بعضا بأن إسرائيل تقتل المدنيين، وصرنا كمن يلتمس لها العذر إن قتلت العسكريين وحدهم، كأن قتلها للعسكريين أمر لا نستطيع الاختلاف معه، أو على الأقل لا نستطيع تسويقه أمام العالم للتعاطف مع قضيتنا!

الخميس، مارس 15، 2012

"فلنخرج من هذه الأرض الملعونة!"

مورغان سترونغ*

بعض الحقائق تبقى ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، ومنها أن من المستحيل إنشاء مجتمع علماني حديث في ثيوقراطية متخلفة يحكمها القادة القبليون وأمراء الحرب ويتفشى فيها الفساد السياسي وتجارة المخدرات. وفوق هذا البؤس كله هناك مجموعات من الشباب المتحمسين للعنف الذين يرزحون تحت أعباء الفقر الشديد والجهل المطبق.

ولسنا بحاجة للكثير من المنطق لإثبات أن أفغانستان لا تستحق إزهاق أرواح المزيد من الأمريكيين فيها. فهذه الدولة، إن جاز لنا تسميتها بالدولة، ليست سوى فضاء جغرافي خارج إطار الزمن والتطور، وهذا هو أفضل وصف يمكن أن نطلقه على أفغانستان.

لقد أقحمنا أنفسنا في أفغانستان لكي نتخلص من القاعدة وطالبان. أما تنظيم القاعدة فقد غادر أفغانستان لأنه، رغم كل شيء آخر، ليس مجموعة من الأفراد المغفلين. إنهم أشرار، وخونة، ولصوص، وصعاليك لكنهم ليسوا أغبياء. لقد غادرت القاعدة إلى أماكن ليس لنا فيها وجود، وعلى إدارة أوباما أن تقر بأنهم رحلوا. ربما ذهبوا إلى باكستان، وربما إلى الصومال، وربما إلى السودان، وربما إلى العراق، وربما إلى إيران.

الثلاثاء، مارس 13، 2012

غباء سارة بيلين أفسد السياسة الأمريكية


ريتشارد كوهين

بينما كنت أشاهد الفيلم المدهش (والمفزع) "تغيير اللعبة" خطر ببالي أن سارة بيلين دمرت أميركا. هذا الفيلم مقتبس عن كتاب يحمل العنوان نفسه ويركز على بيلين نفسها أكثر من تركيزه على حملة الانتخابات الرئاسية للعام 2008. وأعتقد أن هذا الاختيار كان صائبا تماما. فعندما قرر جون مكين اختيار بيلين لتكون شريكته في الحملة اتضح أن السياسة الأمريكية ضلت طريقها، بل ربما فقدت عقلها أيضا.

يقدم الفيلم شخصية بيلين بوصفها امرأة لا تفقه شيئا. فهي لم تكن تعرف أن إليزابيث الثانية لا تتولى شؤون الحكومة البريطانية، وكانت تجهل أن كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية دولتان مستقلتان، وبدا أنها لم تسمع من قبل بالاحتياطي الفدرالي، وكانت تدعو جوزيف بايدن "و. بايدن"، وكانت تظن أن سبب الحرب على العراق هو أن صدام حسين هو الذي شن هجمات 11 سبتمبر 2001 وليس تنظيم القاعدة. وفوق كل هذا الجهل، كانت تتعمد التحلي باللامبالاة وبالاعتداد بنفسها رغم كونها تتخبط في الظلام.

وفوق كل ذلك، كانت كاذبة أيضا. فقد أطلق عليها هذه الصفة – ضمن سياق الفيلم – ستيف شميدت، مدير حملة مكين، والذي أدرك في وقت متأخر من اللعبة أن الموهبة الكبرى التي تتحلى بها بيلين هي القدرة على إنكار الحقيقة. وعندما واجهها بذلك اكتفت بالانغلاق على نفسها والعبوس، تماما كما يفعل الأطفال.

الجمعة، مارس 02، 2012

الدور الأمريكي في انتخابات روسيا



بالنظر إلى التصريحات الصادرة عن عدد غير قليل من الساسة والصحافيين الأمريكيين، يمكن القول إن الولايات المتحدة مهتمة إلى حد كبير بالانتخابات الرئاسية الوشيكة في روسيا. كما يمكن القول أيضا إن الكثيرين في واشنطن مستاؤون من عودة فلاديمير بوتين إلى الكرملين. لكن ثمة مجموعة من الأسباب الأخلاقية والعملية التي تجعل من الأفضل للولايات المتحدة تجنب التدخل الزائد في هذه الانتخابات.

ينطوي استخدام مفردة "الأخلاق" على قدر من التناقض عند الحديث عن السياسات الانتخابية. وإن إلقاء نظرة سريعة على الحملات الانتخابية الأمريكية في الماضي والحاضر، الرئاسية على وجه الخصوص، كفيل بتقويض أي محاولة لاعتبار الانتخابات الأمريكية نموذجا يحتذى بالنسبة للدول الأخرى. الانتخابات الأمريكية مملوءة حيوية ونشاطا وقدرة على الإدهاش، لكنها ليست بالتأكيد نموذجا يتبعه الآخرون.

تقوم الحملات الانتخابية الأمريكية على عدة محاور من أهمها مقدار المال الذي يتم جمعه وإنفاقه، وخاصة المبالغ التي تنفق لتشويه سمعة الخصم. هل هذا ما نريد أن نعلمه للروس من خلال برامج "نشر الديمقراطية" التي يتحمل تكاليفها دافعو الضرائب الأمريكيون؟ والغريب أننا نغطي تكاليف هذه البرامج باقتراض الأموال من الصين، وهي التي تعد متأخرة جدا في تطبيق الديمقراطية عند مقارنتها بروسيا.