لم يدر بخلده قط أن ليلته التي قضاها على الطريق يسابق الزمن للوصول إلى الطائف كانت بغير صباح، وأن رحلته التي بدأها في الدنيا لم تنته به إلا في الآخرة.
أو لعله كان يعلم ما سيحصل له، لكنه لم يشأ أن يطلع أحدا على الخبر لكيلا يضيف إلى عنصر المفاجأة عنصر الترقب القاتل؟
هكذا كان طيلة حياته.. يراعي الآخرين على حساب نفسه، ولا يظهر لهم إلا رباطة الجأش، ويخفي في نفسه الكثير.
قبلها ببضعة أيام اتصل بي هاتفيا وأخبرني أنه راحل يوم الجمعة، وقال فيما قال جملة كانت معتادة بيننا :"طب خلينا نشوفك"..ولن أزعم أنني لاحظت في نبرة صوته شيئا غير معتاد أو يثير الريبة..فقد سافر قبلها مرات ومرات وسافرت من قبله، وكما كان يودعني في رحيلي كنت استقبله في إيابه، حتى صار الأمر أقرب إلى المعتاد منه إلى غير المألوف.