الثلاثاء، يونيو 05، 2012

قراءة في رواية "ذات" لصنع الله إبراهيم


يلفت نظر القارئ قبل الشروع في قراءة الرواية تنويه مذيل باسم الناشر يقول فيه: "الوقائع الواردة في بعض فصول هذه الرواية منقولة عن الصحف المصرية، الحكومية منها والمعارضة، ولم يقصد بإعادة نشرها تأكيد صحتها أو المساس بمن تناولتهم وإنما قصد به المؤلف أن يعكس الجو الإعلامي العام الذي أحاط بمصائر شخصياته وأثر فيهم". صدرت الرواية قبل عشرين عاماً من الآن (1992)، ولا أدري إن كان الناشر سيضطر لوضع هذا التنويه في صدر الرواية لو أنها صدرت في هذه الأيام.

اختار صنع الله إبراهيم لبطلة الرواية اسماً غير مألوف هو "ذات"، وسمى الرواية باسمها. وثمة تطابق كامل بين نصف الرواية، على الأقل، وبين حياة ذات: فالرواية تبدأ ببداية ذات أو بمولدها، ولكن ذات لا تنتهي بانتهاء الرواية ولا تموت فيها على الأقل. أما النصف الآخر من الرواية، على الأكثر، الذي يبتعد عن الحياة الشخصية لذات، فهو الذي عمد فيه الكاتب إلى تقصي أحوال مصر في عقد من الزمان هو أسوأ العقود التي مرت بها أرض الكنانة في عصرنا الحديث على الإطلاق: ثمانينيات القرن العشرين.


وقد لجأ صنع الله إلى حيلة ذكية في السرد مكنته من تعريف القارئ بالجو العام الذي كانت تعيشه مصر في تلك السنوات العجاف دون أن يتحمل متاعب إقحام الأحداث في مسار الرواية إقحاماً، وعمد أيضاً إلى إقامة شبكة لامتناهية من الروابط بين الأخبار المنشورة في الصحف (الحكومية والمعارضة) وبين حياة ذات، والتي كانت طبيعة عملها قريبة أيضاً من الصحافة والأخبار. فمعظم ما يدور في حياة ذات ومن حولها يوجد له انعكاس ما في إحدى القصاصات، والعكس ربما يكون صحيحاً أيضاً. أي أن الرواية تظل ناقصة بدون القصاصات، والقصاصات تبقى غامضة دون الرواية، التي ما كانت لتكون لولا ذات.



ليس في شخصية ذات ما يثير الحماس بأي صورة من الصور، وليس في حياتها غير الرتابة والملل. ولكن ذات إنسانة، وحكايتها تستحق أن تروى، شأنها شأنه عشرات الملايين من المصريين الذين عايشوا حقبة ما سمي بالانفتاح في عهد السادات ومن بعده مبارك. وشاهدوا بأنفسهم تحول بلادهم من قوة إقليمية عظمى إلى مجرد إمعة تتسول الفتات، وتعرضوا بأنفسهم للقمع والتخويف والترهيب والنصب والاحتيال والفساد على نحو لا يتصوره عقل، ليخرج الجميع خاسرين دون استثناء.

إنها رواية الألم لا الأمل. بحثت في الرواية عن بصيص أمل فلم أجد. وعلى الرغم من أن أسلوب الكاتب في السرد كان رشيقاً وسلساً حتى ليشعر القارئ أنما يشاهد على الشاشة فيلماً أو مسلسلاً لا أكثر، وعلى الرغم من أن الرواية تحفل بالمواقف الطريفة التي تنبئ عن سخرية عميقة فإن القارئ لا يستطيع أن يبتسم إلا قليلاً. ليست "ذات" رواية تسلية بل رواية تأريخ لمرحلة باهتة من تاريخ مصر، مرحلة يتمنى المصريون لو انشقت أرض التاريخ وابتلعتها، مرحلة انهيار شامل في كل شيء.

ليست هناك تعليقات: