الجمعة، أغسطس 24، 2012

قراءة في رواية "الهوية" لميلان كونديرا

 
رجل وامرأة في فندق عند ساحل نورماندي. المرأة حضرت للفندق قبل الرجل بيوم واحد وخرجت للتنزه. الرجل، وقد وصل للتو، يحاول العثور عليها. ويعثر عليها بالفعل – عند الشاطئ، تسير على غير هدى بين السياح والأطفال الذين يركبون يخوتا رملية. يناديها باسمها: "شانتال! شانتال!" ولا تلتفت إليه، ويتسلل إليه شعور بالقلق من أن أحد اليخوت الرملية ربما يكون قد صدمها. "شانتال!" يقترب منها راكضا، تستدير المرأة في اتجاهه و – إنها ليست هي. إنها امرأة أخرى. امرأة أكبر سنا، أقل جمالا، وبالتأكيد ليست رفيقته. كيف أمكنه أن يرتكب خطأ بهذه الجسامة؟

"الهوية" هي الرواية التاسعة لميلان كونديرا والثالثة المكتوبة باللغة الفرنسية، وهي تتناول بالطبع موضوع الهوية الإنسانية، وبخاصة صعوبة تكوينها وسهولة هدمها بالكامل. إنها قصة شانتال وجان مارك، في البداية من منظورها ثم من منظوره حيث يبحث كونديرا في الروابط الدقيقة التي تتألف منها العلاقات القوية أحيانا. وهذه أيضا، بغض النظر عن النهاية الغريبة التي تنتهي بخدعة ظالمة، هي منطقة كونديرا المفضلة، تلك المنطقة المضيئة الفلسفية الجنسية التي يملك فيها الرجال والنساء حياة داخلية مذهلة وقدرة متميزة على السخرية بلباقة من العالم بأسره، مهما كان قاتما.

هذه الرواية – والتي يمكن القول أيضا بأنها رواية قصيرة حيث لا يتجاوز عدد صفحاتها 153 – تبدأ بانتظار شانتال لجان مارك في الفندق على ساحل نورماندي، حيث سيقضيان إجازتهما معا. تشعر شانتال بالسأم من انتظار رفيقها فتخرج لتتمشى بمحاذاة المتاجر والشاطئ. تراقب في سيرها فقدان الرجال لرجولتهم وهم يتحولون من "الأب" إلى "البابا" ويتحملون المزيد من المسؤوليات الأسرية. تبدو هذه الأفكار مضحكة لها في البداية، لكن فكرة أخرى تباغتها: "أنا أعيش في عالم لن يعود فيه الرجال يديرون وجوههم إليّ أبدا". هذا ليس صحيحا بالطبع، لكنها لا تستطيع أن تتخلص من هذا الشعور. وفي وقت لاحق، عندما يصل جان مارك إلى الفندق، يقال له إنها قد خرجت. يقرر الخروج للبحث عنها، ويمشي في المسار نفسه تقريبا، ويلتقط ملاحظات شبيهة بالتي التقطتها شانتال.

الأحد، أغسطس 19، 2012

الفيلم الأمريكي "رجل المطر" إنتاج 1988


قليلة هي الأفلام التي تناولت موضوع التوحد والمصابين بهذا الاضطراب، ونادرة هي الأفلام التي عالجت الموضوع بشيء من الحرص والحكمة. وهذا الفيلم – فيما أعلم – هو الأول من نوعه من حيث تناوله لموضوع التوحد بهذه الصورة الموضوعية المباشرة. وحتى لو لم يكن الأول في الترتيب الزمني فهو بالتأكيد الأول في الترتيب الفني و"المهني" إن جاز التعبير. وللقارئ أن يتصور مدى وعي الناس – عامتهم وخاصتهم – باضطراب التوحد قبل ربع قرن من الآن حتى يدرك مدى ريادة هذا الفيلم وجرأته في الطرح وأسبقيته في هذا المضمار.

حقق الفيلم نجاحا كبيرا في عام 1988، وفاز بأربع جوائز أوسكار من أصل ثمان كان مرشحا للفوز بها، وجمعت شبابيك التذاكر حول العالم من مشاهديه أكثر من 354 مليون دولار، ونال رضا الكثير من النقاد ونسبة كبيرة ممن شاهدوه. والحق أن الفيلم مصنوع بإتقان كبير من الناحية الفنية البحتة، وكان أداء البطلين فيه (دستن هوفمان وتوم كروز) مميزا، ولعله من أفضل الأدوار التي قام بها الاثنان في مسيرتهما السينمائية الحافلة.

لكن يحق لمن قدر له، مثل كاتب هذه السطور، أن يعمل عن كثب مع المصابين بالتوحد وأسرهم أن يبدي رأيه فيما شاهد في هذا الفيلم من تجسيد لشخصية امرئ مصاب بالتوحد، بل بحالة خاصة من هذا الاضطراب لا يمكن بحال تعميمها على سائر التوحديين؛ وهذه هي الجناية الأولى التي ارتكبها "رجل المطر" والقائمون عليه عن غير قصد في الغالب: الوقوع في فخ التعميم وإيقاع المشاهدين فيه. ولا زلت لغاية الآن ألقى ردة الفعل المتعجبة نفسها عندما أخبر الناس بأن التوحديين ليسوا جميعا من العباقرة أو ممن يملكون "مواهب خاصة"، ولا حتى نصف التوحديين ولا أقل من ذلك بكثير. وهذا ينطبق على النطق والتخاطب أيضا: فالتوحديون نصفهم لا ينطقون أصلا، والنصف الآخر ممن ينطقون لا يتواصل السواد الأعظم منهم مع من حولهم كما كان يفعل ريموند/ دستن هوفمان مع شقيقه وصديقته على الإطلاق. ولو كانوا يتواصلون بهذه الصورة ويصنعون الروابط مع الآخرين بهذه السرعة لما كان في التعامل معهم من مشكلة قط!

السبت، أغسطس 18، 2012

قراءة في كتاب "رجال بيض أغبياء" لمايكل مور



احتل كتاب "رجال بيض أغبياء" لمايكل مور المرتبة الأولى على قائمة الكتب الأكثر مبيعا على جانبي المحيط الأطلسي، وقصة وصوله إلى هذه المرتبة لا تقل إثارة عن محتوى الكتاب نفسه.

مايكل مور مخرج أفلام وثائقية معروف، من أشهر أعماله فيلم "روجر وأنا" الذي تناول فيه جشع أصحاب الشركات الأمريكية. كان مور قد فرغ من إعداد كتابه هذا في مطلع عام 2011، وكان من المقرر أن يطرح الكتاب في الأسواق في يوم 11 سبتمبر من تلك السنة. وللقارئ أن يتصور ما حصل بعد ذلك التاريخ.

عشية الهجمات التي استهدفت مركز التجارة العالمي في نيويورك قررت دار النشر هاربركولينز، والتي يملكها روبرت مردوخ، أن الوقت لم يكن مناسبا لنشر كتاب يهاجم فيه مؤلفه النظام السياسي والاقتصادي الأمريكي.

والحقيقة أن هاربركولينز طالبت مور بإعادة كتابة 50% من كتابه وإسقاط بعض الفصول منه بالكامل ودفع 100.000 دولار لدار النشر مقابل 50.000 نسخة مكتملة الطباعة في طريقها للإتلاف!

في مثل هذا اليوم من المستقبل



·        2014: هبوط أول سياح فضاء على القمر، ومن بينهم أشتون كوتشر.
·        2018: جيمس كاميرون يصل إلى المريخ في مركبة فضائية من تصميمه.
·        2018: إطلاق أول دوري للهوكي بالملابس الداخلية.
·        2024: جامبو، وهو غوريلا يزن 650 رطلا، يتعلم الكلام بمساعدة برنامج للمحاكاة الآلية ويقول في جملته الأولى: "من فضلكم لا تدعوني جامبو".
·        2025: اختراع نيوتريتوث، وهو معجون للأسنان يحتوي على حاجة الجسم اليومية من الفيتامينات.
·        2027: الكشف عن جهاز آيفون 11، وهو الأول من نوعه الذي لا يشتمل على هاتف.
·        2030: دفن كبسولة زمنية في ولاية مونتانا تحتوي على خمسة أشياء تم اختيارها بواسطة استطلاع للرأي على مستوى الولايات المتحدة وهي: جهاز آيفون، ونموذج لطلب الطعام لدى مكدونالدز، وجهاز آيباد، وشطيرة ووبر، ونسخة من الدستور الأمريكي.
·        2034: افتتاح برج بينترست (102 طابق) في بالو ألتو بولاية كاليفورنيا. السطح الخارجي لهذا البرج مغطى بمساحات رقمية تسمح للموظفين داخله بعرض اهتماماتهم عليها.

الثلاثاء، أغسطس 07، 2012

قراءة في رواية "شرق المتوسط" لعبدالرحمن منيف



"إن هذه الرواية لا تعني أحداً، وتعني كل الناس أيضاً".

لست أدري إن كان كاتب هذه الكلمات هو عبدالرحمن منيف نفسه أو شخصا آخر (لعله الناشر)، ولكنها على أية حال موجودة على الغلاف الخلفي من النسخة التي اقتنيتها من هذه الرواية. الفكرة الأولى التي خطرت لي هي أن هذه الكلمات لا بد أنها كانت ذات تأثير هائل على القراء في فترة السبعينيات من القرن العشرين، عندما كان كل شيء مدهشا. 

و"شرق المتوسط" هي إحدى الروايات الأولى لعبدالرحمن منيف، أتم كتابتها في ربيع عام 1972 ونشرها بعد ذلك بسنتين تقريبا. وللمرء أن يتصور حجم الصدى الذي تولد عن الصيحة التي أطلقتها هذه الرواية في زمن ما بعد نكسة 1967، زمن سقوط حلم الوحدة العربية على رؤوس أصحاب الأفكار القومية، زمن ما بعد عبدالناصر.

الجمعة، أغسطس 03، 2012

لماذا يحرص بوتين على بقاء الناتو في أفغانستان


مارك تشامبيون


تصدر بوتين عناوين الصحف في نهاية الأسبوع الماضي عندما صرح بأنه يرغب في بقاء قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان وأنه سوف يسره أن يخصص أحد المطارات الروسية لإعادة توفير الإمدادات لتلك القوات. هل هذا الموقف غريب؟ لا، ليس غريبا.

حاول القوميون والشيوعيون الروس مهاجمة بوتين بعد القرار الذي اتخذه في مطلع العام الحالي بالسماح لقوات حلف شمال الأطلسي بنقل المعدات إلى أفغانستان عبر قاعدة جوية في أوليانوفسك (مسقط رأس لينين) سوف يبدأ تشغيلها خلال الشهر الحالي. وقد دافع بوتين عن قراره بالقول إنه يخدم المصالح الروسية.

ليس صحيحا أن بوتين وقع فجأة في غرام الغرب أو حلفه العسكري، بل إنه ما زال يكره حلف الناتو بروح الحرب الباردة. بل إن بعض المفردات التي استخدمها في تصريحاته الأخيرة تدل على أنه يتلذذ ببقاء القوات الأمريكية ومعاناتها في أفغانستان كما سبق وأن ساعدت الولايات المتحدة القوات السوفيتية على المعاناة في أفغانستان خلال الثمانينيات.