السبت، نوفمبر 09، 2013

قراءة في كتاب "عصر الاضطراب" للأمريكي آلان غرينسبان

مؤلف هذا الكتاب هو واحد من أكثر الأفراد تأثيرا على السياسة النقدية والأمريكية على حد سواء خلال العقود الثلاثة الأخيرة على الأقل، حيث تولى منصب رئيس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي من عام 1987 إلى 2006. لازم سوء الطالع عمل هذا الرجل في بداية عهده (ما يسمى بالاثنين الأسود) ونهايته (الأزمة المالية العالمية) رغم أنه كان محظوظا للغاية في حياته المهنية، حيث سطع نجمه بسرعة كبيرة بعدما شارك في الحملة الانتخابية للرئيس نيكسون ومن بعدها في حملة الرئيس فورد الفاشلة أمام جيمي كارتر، وكانت تربطه برونالد ريغان علاقة قوية أفضت به إلى تولي المنصب الأبرز في عالم المال.


ينقسم الكتاب إلى نصفين متساويين تقريبا. في النصف الأول يتحدث غرينسبان عن نشأته المبكرة ورحلته التي قطعها بين الاقتصاد والسياسة وصولا إلى منصب رئيس الاحتياطي الفدرالي في عهد رونالد ريغان ثم جورج بوش ثم بيل كلينتون وأخيرا جورج بوش الابن. أربعة رؤساء جمهوريين ورئيس ديمقراطي واحد. والغريب أن غرينسبان، وهو جمهوري، لم ينسجم إلا مع كلينتون، الديمقراطي، رغم اختلافه مع الكثير من آرائه! وأعتقد أن غرينسبان أراد بالحديث عن الانسجام مع كلينتون أن يفوز بحصة من كعكة النجاح الاقتصادي الهائل الذي حققه الرئيس الأسبق خلال فترتيه الرئاسيتين، والذي لم يلبث خلفه بوش الابن أن قضى على ذلك النجاح وحوله إلى فشل كارثي.


اللافت أن غرينسبان تحدث بالكثير من العاطفة عن جيرالد فورد (الرئيس الأمريكي الوحيد الذي تولى المنصب دون أن يسبق له خوض انتخابات الرئاسة) ولم يخف أنه كان يتمنى لو فاز فورد في انتخابات عام 1976، وصرح بأنه حاول إقناعه بخوض انتخابات الرئاسة إلى جانب رونالد ريغان كنائب للرئيس، بل إنه أبدى تفاؤلا كبيرا عندما وجد أن جورج بوش الابن قرر الاستعانة بعدد من أركان حكم فورد من أمثال ديك تشيني ودونالد رامسفيلد لكن آماله خابت فيما بعد، أو هكذا قال.

الجمعة، نوفمبر 08، 2013

قراءة في مسرحية "الأبواق والتوت البري" للإيطالي داريو فو

في عام 1978 تعرض رئيس الوزراء الإيطالي ألدو مورو للاختطاف على يد منظمة "الألوية الحمراء" التي طالبت بالإفراج عن عدد من المعتقلين السياسيين مقابل إطلاق سراح مورو، وهددت بقتله إن لم تحصل على مطالبها. رفضت الحكومة الإيطالية شروط الألوية الحمراء رفضا قاطعا فلجأت هذه الأخيرة إلى تنفيذ تهديدها وقتلت مورو بالرصاص ثم تخلصت من جثته في الصندوق الخلفي لإحدى السيارات.


أثارت حادثة خطف رئيس الوزراء واغتياله العديد من التساؤلات (الشيء نفسه حصل في ليبيا قبل أسابيع غير أن رئيس الحكومة خرج سالما) التي انعكست على العديد من الأعمال الفنية وغير الفنية. والتساؤل الذي يطرحه داريو فو في هذه المسرحية هو: ماذا لو أن المختطف هو مسؤول كبير في إحدى الشركات الكبرى التي تسيطر على الاقتصاد؟ شركة فيات لصناعة السيارات مثلا؟ هل كانت الدولة ستمتنع عن التفاوض أم أنها ستسلم كل شيء للخاطفين مقابل خروج ذلك المسؤول؟ أيهما أهم: السياسي أم الاقتصادي؟

معالجة المسرحية لهذه التساؤلات جاءت هزلية ساخرة، لا تترك في المجتمع الإيطالي شيئا دون أن تسخر منه. وقد حرص المؤلف على تقديم مسرحية يقتصر دور المخرج فيها على تنفيذ تعليماته فحسب؛ حيث لا تخلو صفحة فيها من تفاصيل دقيقة تتعلق بحركات الممثلين وإيماءاتهم، كأنما كان يشاهد المسرحية وهو يكتبها.

الخميس، أغسطس 29، 2013

أزمة الهند الاقتصادية


خلال عامي 2005 و2006 كان كبار صانعي القرار في العالم، ومنهم وزراء المالية الذين يشكلون بمجموعهم إدارة صندوق النقد الدولي، مجمعين على أن الأزمات المالية والاقتصادية باتت من الماضي. كانت الولايات المتحدة وأوروبا قد تحررتا من مخاوف عدم الاستقرار العميق، وتعلمت أسواق الدخل المتوسط الناشئة دروسا قاسية من تجاربها خلال العقود السابقة وبالتالي فإنها اعتمدت سياسات أكثر حذرا للمستقبل. أما الأزمات الخطيرة، إن حدثت من الأصل، فسوف تقتصر على الدول ذات الدخل المتدني والمنهكة بفعل الحروب.


كانت هذه النظرة خاطئة بالكامل؛ فنحن الآن عالقون في دائرة كاملة من الأزمات ابتداء من الولايات المتحدة (منذ 2007) وأوروبا (منذ 2008 في الواقع). وقد جاء الآن دور الأسواق الناشئة لمواجهة المشكلات الحقيقية، ومنها الهند التي حققت نجاحا كبيرا ومتواصلا لمدة 20 عاما.

ثمة أنواع متعددة من أزمات الأسواق الناشئة، لكن أكثرها شيوعا تبدأ على النحو التالي: تحدث طفرة (قائمة على الموارد الطبيعية أو العثور على أسواق جديدة للصادرات الصناعية أو حتى تطبيق إجراءات معقولة لتحرير السوق)، يبدأ القطاع الخاص في التوسع ويصبح الاقتراض من الخارج أمرا أكثر يسرا بالنسبة للشركات الكبرى. تصبح القروض بالدولار الأمريكي (أو غيره من العملات الأجنبية) أكثر جاذبية لأنها تنطوي على سعر فائدة أدنى مقارنة بالاقتراض بالعملة المحلية.

الثلاثاء، يونيو 11، 2013

العدالة المؤجلة في غواتيمالا

لوس انجيلوس تايمز


عندما قضت محكمة غواتيمالية بإدانة الطاغية الأسبق الجنرال إفرين ريوس مونت بتهمة الإبادة الجماعية خلال الشهر الماضي، كانت تلك المرة الأولى التي يدان فيها أحد زعماء أميركا اللاتينية بهذه التهمة داخل موطنه. وصف الحكم بأنه نصر مؤزر للنظام القضائي الهش في غواتيمالا وأميركا اللاتينية عموما، حيث أجبر الخوف القضاة والمدعين العامين على الامتناع عن تقديم منتهكي حقوق الإنسان للعدالة.


لكن هذا الانتصار ما يزال في خطر؛ فبعد بضعة أيام من صدور الحكم على مونت قررت المحكمة الدستورية إعادة النظر في المحاكمة بأكملها بحجة وجود خلل إجرائي في إجراءات التقاضي وأمرت بإعادة فحص كافة الأدلة المقدمة بعد يوم 19 أبريل الذي شهد وقوع الخلل الإجرائي.



ولأن العودة شهرين إلى الوراء ليست صعبة بما فيه الكفاية، سوف تنظر المحكمة العليا فيما إذا كان يجوز محاكمة الطاغية من الأساس أم أنه يستطيع الاستفادة من قانون للعفو صدر عام 1986.

الجمعة، أبريل 12، 2013

الحبس الانفرادي في السجون الأمريكية



وصل استخدام الحبس الانفرادي في السجون ومراكز الاحتجاز في الولايات المتحدة  إلى مستوى يتجاوز كل حدود المنطق والنزاهة، حيث ذكر تقرير أصدرته الحكومة الاتحادية في الشهر الماضي أن أجهزة وكالة الهجرة والجمارك الأمريكية تحتجز بشكل روتيني مئات المهاجرين في زنازين انفرادية على الرغم من كونهم معتقلين على خلفية دعاوى مدنية. وقد أبرز هذا الخبر إصرار الولايات المتحدة على معاقبة عشرات الآلاف من المساجين – ومنهم من لا علاقة له بالعنف أصلا – باستخدام إجراء يعد شكلا من أشكال التعذيب في أغلب دول العالم.


يقول عضو مجلس الشيوخ جون ماكين إن الحبس الانفرادي "يحطم المعنويات ويضعف المقاومة بشكل أكثر فعالية من أي وسيلة أخرى لإساءة المعاملة". كما أن العزل لفترات طويلة يتسبب في تلف الدماغ، ولهذا السبب توصلت المحكمة العليا الأمريكية في عام 1890 إلى أنه يقود إلى الجنون والانتحار لدى بعض المساجين "بينما أولئك الذين تمكنوا من الصمود لم يتم إصلاحهم عموما، وفي معظم الحالات لم يستعيدوا من نشاطهم الذهني ما يكفي لتقديم أي خدمة للمجتمع في المستقبل".

من الصعب تقدير عدد المساجين المحتجزين في الحبس الانفرادي داخل الولايات المتحدة. فقد ذكرت الحكومة الاتحادية أن أكثر من 81.000 سجين كانوا محتجزين داخل "وحدات إقامة مغلقة" في سجون الولايات والمعتقلات الاتحادية خلال عام 2005. وهذا العدد لا يشمل السجناء المحتجزين داخل السجون المحلية أو مراكز احتجاز المهاجرين (لا يوجد إحصاء أحدث من هذا لغاية الآن).

الجمعة، فبراير 08، 2013

الخصوبة والهجرة


عاد الساسة في واشنطن من جديد إلى السعي لإصلاح نظام الهجرة الأمريكي، حيث اقترح الرئيس باراك أوباما وعضو مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري ماركو روبيو (فلوريدا) توفير "سبل للحصول على الجنسية" لحوالي 11 مليون شخص من المهاجرين غير الشرعيين. وثمة خيارات أخرى مطروحة في هذا الصدد، من بينها استكمال بناء السياج الحدودي، وإقامة نظام أكثر كفاءة للتعريف الإلكتروني لأصحاب العمل، وإقرار قانون "دريم" (تنمية وإغاثة وتعليم المهاجرين القاصرين D.R.E.A.M.) في الكونغرس.

لكن المشكلة تكمن في أن المقترحات المذكورة جميعها تفتقر إلى الفهم الصحيح لمسألة الهجرة في أميركا؛ إذ من المرجح أن الهجرة في المستقبل لن تخضع لخيارات السياسة الأمريكية المحلية بقدر ما ستكون خاضعة للأوضاع الديمغرافية في العالم أجمع.

خلال السنوات الثلاثين الماضية تدفقت إلى الولايات المتحدة أعداد ضخمة من المهاجرين الذين أتوا من الحدود الجنوبية، ويعيش اليوم في الولايات المتحدة 38 مليون شخص ممن ولدوا خارج البلاد بمتوسط يزيد على مليون مهاجر في السنة الواحدة خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وهو معدل غير مسبوق في التاريخ الأمريكي بأسره. وبغض النظر عن القرارات التي سيتخذها الساسة الأمريكيون فإن من المتوقع أن يتوقف هذا التدفق قريبا.

السبت، يناير 19، 2013

هل ستضطر الصين للتخلي عن قاعدة الطفل الواحد؟

فيكاس بجاج

نشر مسؤولون صينيون يوم الجمعة بيانات تظهر أن اقتصاد البلاد نما بوتيرة أسرع مما كان متوقعا في نهاية العام الماضي. استقبل المستثمرون هذه الأنباء بترحاب كبير، متجاهلين في الوقت نفسه الأنباء الأخرى التي حملتها هذه البيانات: لقد بدأت أعداد المواطنين الصينيين في سن العمل بالانخفاض رسميا. ففي عام 2012، ولأول مرة منذ سنوات طويلة، تراجع عدد المواطنين الصينيين في الفئة العمرية 15-59 عاما بواقع 3.45 مليون نسمة إلى 937.27 مليون شخص.

وعلى الرغم من أن هذا الانخفاض يعد ضئيلا للغاية عند التعامل معه كنسبة مئوية (أقل من 1%) فإنه يمثل نقطة تحول هامة بالنسبة للاقتصاد الصيني والعالمي على حد سواء؛ فالعاملون الصينيون هم الذين يقومون بتجميع أجهزة "آيفون" وهم الذي يخيطون الملابس للمستهلكين في مختلف أنحاء العالم. سوف تضطر بكين الآن للتعامل بجدية أكبر مع مناشدات الأسر الصينية وعلماء الاقتصاد وغيرهم للتخلي عن قاعدة الطفل الواحد الجائرة. 

لا أحد يعرف على وجه التحديد ماذا ستكون نتيجة انخفاض أعداد المواطنين في سن العمل وارتفاع أعداد كبار السن في الصين، لكن أغلب المحللين يبدون واثقين من أن هذا التغير الديمغرافي سوف تترتب عليه تحديات كبيرة. فعلى المستوى الأولي، سوف يضطر الشباب الصينيون ممن ليس لهم إخوة (هناك بعض الاستثناءات من قاعدة الطفل الواحد في الصين) إلى الإنفاق على ما يصل إلى أربعة أجداد ووالدين لا يزالون على قيد الحياة. أما بالنسبة للاقتصاد ككل فسوف يحدث تراجع ملحوظ في أعداد العاملين في إنتاج السلع والخدمات لشعب هو الأكثر تعدادا على وجه الأرض. وبالتالي فإن الصين ستعاني من نسخة أكثر ضخامة بكثير من المشكلة التي تواجهها اليابان وغيرها من الدول المتقدمة بسبب انخفاض معدلات المواليد: فائض في المعالين ونقص في العاملين.

الأربعاء، يناير 16، 2013

باب الشمس: هل كان نصرا؟


كلما قرأت عبارة "مجموعات شبابية" في الإعلام الرسمي شعرت أن وراء الأكمة ما وراءها، وكلما رأيت وسائل الإعلام العربية الرسمية وشبه الرسمية تهلل لنموذج فلسطيني معين أدركت أن في الأمر ما يريب.



ضجت وسائل الإعلام بالإنجاز التاريخي الذي تحقق عندما توجهت مجموعة شبابية إلى إحدى المناطق القريبة من القدس وأعلنت فيها عن إنشاء قرية جديدة باسم "باب الشمس" تيمنا برواية للكاتب إلياس خوري حملت العنوان نفسه. وقال أفراد المجموعة الشبابية إنهم لم يحصلوا على تصريح من أحد لإقامة هذه القرية التي تقع ضمن المخطط الشيطاني المسمى E1 والذي سيقضي على ما تبقى من أمل في مجرد رؤية القدس من بعيد، وهو لطمة كبرى لأصحاب مشروع التفاوض وحل الدولتين والشرعية الدولية.



الشرعية الدولية وردود الأفعال العالمية هي نقطة الارتكاز لمشروع باب الشمس والسبب واضح؛ فهؤلاء الشبان والشابات يعلمون علم اليقين أن المحتل لن يدعهم وشأنهم في قريتهم المزعومة، وحتى لو تركهم المحتل (ولو كنت مكانه لتركتهم) لأصابهم السأم بعد أيام قليلة وعاد كل واحد منهم إلى شؤونه وأعماله لسبب بسيط هو أن القرى لا تقام على هذا النحو المرتجل!

الثلاثاء، يناير 15، 2013

قراءة في رواية "سلالم الشرق" لأمين معلوف


نُشرت هذه الرواية للمرة الأولى في فرنسا عام 1996، وهي الرواية الأولى لأمين معلوف التي تقع أحداثها في القرن العشرين (كانت روايته "صخرة طانيوس" التي تناولت أوضاع بلاد الشام في أربعينيات القرن التاسع عشر قد فازت بجائزة غونكور الأدبية المرموقة لعام 1993).



الراوي الرئيسي في هذه الرواية يحمل اسما غريبا هو "عصيان"، ينشأ في أسرة تعيش أمجاد ماضي الدولة العثمانية بكل ما فيه من أسى النهايات وأسئلة ما بعد الهزيمة السابقة وما قبل الهزيمة اللاحقة. جدته تعاني من الجنون، ووالده يريده ثوريا.



يرحل عصيان إلى فرنسا الواقعة تحت الاحتلال النازي، ويجد نفسه منخرطا في نشاطات ذات صلة بالمقاومة، فنراه يحمل اسما مستعارا ووثائق مزيفة وينفذ مهمات سرية، ويتعرف في هذه الظروف العصيبة على كلارا التي ستصبح فيما بعد محبوبته ويبقى على هذه الحال إلى أن تضع الحرب أوزارها فيقرر العودة إلى لبنان.



وفي لبنان واقع آخر يتشكل، وأصداء ما يجري في فلسطين قريبة في المكان والزمان، ولكن عصيان يتمرد على هذا الواقع بطريقته الخاصة، متجاهلا كل ما يجري بين العرب واليهود، غير آبه بالكارثة الوشيكة التي ستشهدها أرض فلسطين، فيطلب الزواج من كلارا التي توافق على الفور.