ستيفن ل. كارتر
عشية الإعلان عن عقوبات جديدة ضد روسيا الأسبوع الماضي، جهد الرئيس باراك أوباما في الإصرار على أن المواجهة بشأن أوكرانيا لا تمثل بداية حرب باردة جديدة. إنه محق في ذلك بالتأكيد، لكن مقالات الرأي حول أزمة أوكرانيا لا تزال تصر على تبني ذهنية الحرب الباردة بالرغم من ذلك. وهذا ما فعله المراقبون الدوليون أيضا، ومثلهم بعض الكتاب الروس كما في التحذير الذي أوردته صحيفة موسكو تايمز المعارضة: "سوف يعاني الروس من الحرب الباردة الجديدة التي يشنها بوتين".
عشية الإعلان عن عقوبات جديدة ضد روسيا الأسبوع الماضي، جهد الرئيس باراك أوباما في الإصرار على أن المواجهة بشأن أوكرانيا لا تمثل بداية حرب باردة جديدة. إنه محق في ذلك بالتأكيد، لكن مقالات الرأي حول أزمة أوكرانيا لا تزال تصر على تبني ذهنية الحرب الباردة بالرغم من ذلك. وهذا ما فعله المراقبون الدوليون أيضا، ومثلهم بعض الكتاب الروس كما في التحذير الذي أوردته صحيفة موسكو تايمز المعارضة: "سوف يعاني الروس من الحرب الباردة الجديدة التي يشنها بوتين".
ويبدو أن الكثير من الأمريكيين لديهم المخاوف نفسها. أثناء سفري خلال
هذا الشهر للترويج لروايتي الجديدة "القناة الخلفية"، التي تتناول أزمة
الصواريخ الكوبية، أمطرني الحضور بالأسئلة عما يرون فيه بداية حرب باردة جديدة.
حاولت أن أبث الاطمئنان في نفوسهم بالقول إن أزمة الصواريخ الكوبية كانت
لحظة فريدة في التاريخ الإنساني. لقد أدى انصياع الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف
لضغوط المتشددين وقبوله بتهريب صواريخ نووية متوسطة المدى إلى كوبا إلى إطلاق
سلسلة من الأحداث التي كان بوسعها وبكل سهولة أن تشعل حربا تنتهي بإفناء كل من
الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وإزهاق عشرات الملايين من الأرواح في جميع
أنحاء العالم. ولكننا اليوم لا نواجه شيئا من ذلك القبيل على الرغم من كل ما نشهده
من نزاعات في العالم.
ومن جهة أخرى، هناك دروس كثيرة يمكن أن نتعلمها من الحرب الباردة على
وجه العموم، وأزمة الصواريخ الكوبية على وجه الخصوص، والتي يمكن تطبيقها على
تحديات السياسة الخارجية التي تواجهها الولايات المتحدة اليوم، ومن بينها المواجهة
القائمة في أوكرانيا. وقد أكدت للحضور أن ثمة نقطتين هامتين لا بد من التركيز عليهما
وهما:
أولا: اترك عدوك ضحية للتخمين. إن قدرة الرئيس جون كينيدي على إخفاء
نواياه الحقيقية عن خروتشوف كانت عاملا أساسيا في انتهاء أزمة الصواريخ الكوبية
بنجاح. وقد كتب المؤرخ غراهام أليسون عن هذه النقطة ملخصا إياها بصورة وافية على
النحو التالي: "تضمنت معالجة الرئيس جون كينيدي لأزمة عام 1962 مزيجا معقدا من التهديد والتنازل، والوضوح والغموض، والترهيب
والترغيب. ماذا لو لم يستجب الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف لطلب كينيدي بإعلان
سحب الصواريخ السوفيتية من كوبا خلال 24 ساعة؟ هل كان كينيدي
سيأمر بتنفيذ الضربة الجوية التي هدد بها؟
سوف تبقى الإجابة مجهولة إلى الأبد. لكن ما يبدو مؤكدا هو أن خروتشوف لم
يكن ليقدم على سحب الصواريخ لولا التهديد باستخدام القوة."
إن أليسون على صواب للأسباب التالية: نحن ما زلنا واثقين لغاية الآن
من مدى استعداد كينيدي آنذاك لمباشرة الهجوم بالفعل. وبالرغم من وجود ساعات طويلة
من أشرطة التسجيل، وصفحات عديدة من النصوص، والعديد من المذكرات المكتوبة حول
الأزمة، فإن الحقيقة الماثلة هي أننا لا نستطيع الولوج إلى ذهن كينيدي لمعرفة ما
كان يفكر فيه. لقد تمكن من إخفاء نواياه بنجاح.
يبدو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مدركا لأهمية هذه الأداة
الاستراتيجية. على سبيل المثال، لا يستطيع المراقبون من حلف شمال الأطلسي والغرب
في الوقت الحالي أن يحددوا ما إذا كان حشد القوات الروسية على الحدود مع أوكرانيا
دليلا على غزو وشيك. إن الغرب في المكان الذي يريده بوتين بالضبط: يحاول أن يخمن
نواياه.
وفي المقابل، عودتنا إدارة أوباما على الأسلوب المثير للسخط المتمثل
في الإعلان المسبق عن استبعاد خيارات معينة. لنأخذ مثالا من واقعة حدثت مؤخرا، حيث
اتهمت الإدارة الأمريكية روسيا بخرق معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى لسنة 1987 من خلال تجرب إطلاق صاروخ كروز أرض - أرض. وبدلا من الإيحاء
بإمكانية تطبيق قاعدة العين بالعين، عمدت الإدارة الأمريكية إلى تسريب أنباء حول
عدم نيتها إطلاق صاروخ مشابه من جهتها.
أنا لا أدعو هنا إلى خرق الولايات المتحدة للمعاهدة، لكن ثمة أفضلية
يمكن نيلها في المفاوضات إذا اضطر بوتين لتخمين ما يمكن أن يقرره أوباما.
كما أخبرت الحضور بسبب ثان لنجاح معالجة أزمة الصواريخ الكوبية، ولكن
من الصعب تكرار وقوعه في وقتنا الحاضر. عندما وجد كينيدي نفسه محاطا بمستشارين من
الصقور والحمائم، اختار أن يلجأ إلى الحل الوسط وهو: محاصرة كوبا بحريا واتخاذ
قرار باستخدام الأسطول الأمريكي للتحقق من عدم إمكانية وصول أية قوات أو معدات
سوفيتية إضافية إلى تلك الجزيرة.
وإذا ما نشبت أزمة مماثلة اليوم، فليس من المتوقع أن تنجح الولايات
المتحدة في اتخاذ تدابير مماثلة لأن توجيه القوة ليس بالأمر الهين حتى لو كان ذلك
في الفناء الخلفي للولايات المتحدة. فقد تطلب الحصار، الذي كان له كلمة الفصل في
حل أزمة الصواريخ الكوبية، استخدام أكثر من 150 سفينة حربية أمريكية من أصل 900 سفينة حربية أمريكية في عام 1962. وفي وقت كتابة هذه السطور، لا يزيد حجم القوة البحرية الأمريكية
على 290 سفينة حربية.
بل إن العدد الفعلي أصغر من ذلك بكثير، لأن الرقم 290 يشتمل على سفن المستشفيات وزوارق الدوريات الصغيرة، والتي لم تكن
تدخل في تعداد السفن الحربية حتى العام الحالي. بالإضافة إلى ذلك، يشتمل العدد على
11 صاروخا موجها من طراز تيكونديروغا يجري
الاحتفاظ بها "في حالة تشغيل مخفض."
باختصار، سوف يكون من الصعب للغاية - وسوف يتطلب استخدام جزء أكبر
بكثير من القوة البحرية - أن تنفذ الولايات المتحدة حصارا بحريا ضد كوبا اليوم.
وحتى تقنياتنا المتقدمة لن تسعفنا كثيرا في هذا النطاق، لأن السفينة لا تستطيع أن
تكون في أكثر من مكان واحد في الوقت الواحد.
وفضلا عما سبق، فإن هذه الاستراتيجية لا تجدي نفعا إلا إذا امتنع
العدو عن مواصلة التحدي. فقد اختار خروتشوف في النهاية، بعد بعض المراوغة، أن
يمتنع عن تحدي الحصار البحري الأمريكي. وكان ذلك عندما شاع الخبر الشهير، ليس ذات المتعلق باعتزام السوفيت نزع
الصواريخ وإنما عندما صرح زير الخارجية دين راسك بأن الطرف الآخر قد "رمشت
عينه".
لقد جاء قرار خروتشوف بعدم اختبار صبر كينيدي فيما يتعلق بالحصار
دليلا على أن كينيدي أحسن استغلال الأفضلية وأحسن اختيار التوقيت لمعالجة الأزمة
بنجاح. ولو لم ينجح الحصار البحري لوجدت الولايات المتحدة نفسها أمام خيارين
أحلاهما مر: إما التعايش مع وجود الصواريخ في كوبا أو الدخول في حرب لنزعها عنوة.
لا يسيئن أحد فهمي هنا. لا يمكن أن يكون بوتين من الحمق بحيث يقوم
بتهريب صواريخ إلى كوبا اليوم، ولذلك لأسباب لا تكاد تحصى من بينها عدم وجود مكاسب
استراتيجية من وراء ذلك العمل وكذلك لأن روسيا لا تستطيع تحمل تكاليف عملية كهذه.
ما أريد قوله يختلف عن ذلك. لا شك في أن تخفيض الموازنة يجب أن يشمل جوانب الإنفاق
كلها ومن بينها الدفاع، لكن صعوبة التنبؤ بالقوة يمكن أن تنطوي عليها تكاليف جسيمة
في أوقات الأزمات.
وهكذا، ورغم محاولتي بث الطمأنينة في نفوس جمهوري، فإن شعور الاطمئنان
ينبغي أن يمتزج بالحذر. ربما لا نكون على أعتاب حرب باردة جديدة، لكن الولايات
المتحدة لن تجني سوى إضعاف موقفها في العالم إذا أخفقت في استيعاب دروس الماضي.
هناك تعليق واحد:
good work
good work
إرسال تعليق