على الرغم من كل ما قيل عن الثورات العربية، فمن الواضح أنها تمثل مشكلة لإسرائيل. لكن ما مدى سوء هذه المشكلة، وماذا يتعين على الحكومة الإسرائيلية أن تفعل لتحمي نفسها من هذا الخطر؟ لقد استمعت لبعض الأفكار المثيرة للاهتمام – ولكنها لم تكن مشجعة كثيراً – حول هذا الموضوع من كبار المسؤولين في الحكومة خلال الأسبوع الماضي.
يمكن القول باختصار إن معظم المسؤولين الإسرائيليين يعتقدون أن العلاقات مع العرب سوف تتجه تدريجياً إلى الأسوأ، وربما يستمر ذلك لبضعة عقود من الزمن، قبل أن تتجذر الممارسة الديمقراطية وتصبح الشعوب العربية مستعدة على الأرجح للقبول بوجود الدولة اليهودية. والتحدي الأكبر بالنسبة لإسرائيل هو كيفية تفادي إغضاب الرأي العام العربي، وهو عامل هام جديد، وحماية الدولة في الوقت نفسه.
وخير تمثيل للعقدة التي تواجهها إسرائيل اليوم هو انتخاب القيادي في جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي رئيساً لمصر. وقد بادر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإرسال برقية تهنئة باهتة له بمناسبة تنصيبه، عبر فيها عن أمله في أن تبقى العلاقات الإسرائيلية المصرية قائمة على التعاون بين الطرفين وفقاً لمصالحهما المشتركة. ولكن هذه الرسالة تخفي وراءها الكثير من القلق مما هو قادم.
يخشى نتنياهو من اضمحلال العلاقة مع مصر مع مرور الزمن، ولذا فإنه يسعى لإبطاء هذه العملية بقدر الإمكان مع الاستعداد لأي مشاكل محتملة. ويقال إن نتنياهو ينظر إلى هذه الإجراءات كما ينظر المرء إلى تحصين منزله قبل وقوع عاصفة كبيرة.
الاختبار الأكبر للوضع الجديد سوف يكون في قطاع غزة الخاضع لسيطرة حركة حماس القريبة جداً من الإخوان المسلمين في مصر. لقد حاول نتنياهو أن يمنع تصاعد الأزمات التي نشأت خلال الفترة الماضية، لكن استمرار إطلاق الصواريخ سوف يؤدي إلى رد عسكري عنيف من جانب إسرائيل، ما قد يسبب المزيد من التدهور في العلاقة مع القاهرة.
يقول مدير الموساد السابق إفرام هاليفي إن على إسرائيل أن تواجه الواقع وتشرع في التفاوض مع حماس. لكن آخرين يشيرون إلى تصاعد التهديدات من قطاع غزة، حيث أفادت تقارير استخبارية إسرائيلية بأن المسلحين هناك حاولوا شراء صواريخ مضادة من الطائرات محمولة على الكتف من ليبيا، وقد تبنى سلاح الجو الإسرائيلي هذه النظرية في عملياته وأصبح يعمل على أساس أن هذه الصواريخ موجودة بالفعل في غزة، وذلك بالإضافة إلى غيرها من أصناف الصواريخ.
وتعد شبه جزيرة سيناء نقطة ساخنة أخرى؛ فتلك الصحراء الشاسعة آخذة في التحول إلى منطقة غير خاضعة للقانون يجد فيها مسلحو القاعدة وغيرها من التنظيمات الإرهابية ملاذات آمنة. ويعتقد مسؤولو المخابرات الإسرائيلية أن المتطرفين يتبنون استراتيجية استفزاز إسرائيل لتنفيذ عمليات انتقامية بما يقود إلى انتهاكها لبنود معاهدة السلام مع مصر. ولم أحصل على أي رد واضح على تساؤلي حول كيفية تعامل إسرائيل فيما لو تعرضت لمثل هذه الهجمات دون أن تسقط في هذا الفخ.
كما أن البرود الذي تشهده العلاقة الإسرائيلية التركية يزيد من مخاطر الفوضى التي تشهدها مصر وسوريا وليبيا. وكانت ردة فعل نتنياهو على ذلك من خلال البحث عن حلفاء جدد بما في ذلك:
• إقامة علاقات جديدة قوية مع "قوس البلقان" المتمثل في كل من اليونان وقبرص وبلغاريا ورومانيا وألبانيا. بعض هذه الدول تسمح لسلاح الجو الإسرائيلي بإجراء مناورات داخل مجالها الجوي، ما يوفر بديلاً للأجواء غير الصديقة في تركيا.
• التحالف الضمني، أو غير المعلن، مع المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول الخليجية ضد إيران وضد تطرف الإخوان المسلمين. وفي سياق هذه التحالف الصامت يقدم الإسرائيليون بديلاً عن الولايات المتحدة التي لم تعد الأنظمة الخليجية المحافظة ترى فيها حامياً لوجودها.
• إقامة صلات جديدة مع حكومات دول جنوب الصحراء في إفريقيا مثل كينيا وأوغندا وساحل العاج، والتي باتت تشعر بالقلق من إمكانية انتقال المد الإسلامي من شمال الصحراء إلى جنوبها.
يدرك القادة الإسرائيليون أن هذه العلاقات، على الرغم من النفع الذي تقدمه، لا تعني زوال الخطر الأساسي المتمثل في الصحوة العربية التي أدت في معظم الدول إلى صعود الإسلاميين للسلطة. ورغم أن ثمة تنوع كبير في الآراء داخل الحكومة الإسرائيلية حول درجة السوء التي يمكن أن يكون عليها المستقبل، فإن ثمة إجماعاً على تجنب استخدام مصطلح "الربيع العربي" الذي يكثر استخدامه في الغرب.
يقال إن من بين المتفائلين نسبياً في هذا الصدد وزير الدفاع إيهود باراك، والذي يعتقد أن مصر وجيرانها سوف تتحرك باتجاه تبني نسخة من "النموذج التركي" في الديمقراطية الإسلامية، وأنها لن تكون معادية لإسرائيل لكن مصالحها الذاتية هي التي ستحكم توجهاتها. ويرى باراك أنه لا يجوز أن تقف إسرائيل مكتوفة الأيدي أمام العاصفة لأن التغييرات الحاصلة لا يمكن أن تعود إلى الوراء وأنها قابلة للاستفادة منها فيما لو أدت لوصول المجتمعات العربية إلى مرحلة النضج.
ويتبنى المسؤولون الأكثر دراية بالعالم العربي وجهة نظر أكثر سلبية، حيث يرون أن محمد مرسي وغيره من الزعماء الإسلاميين سوف يعملون خلال السنوات القليلة القادمة على الاحتفاظ بالسلطة ولذا فإنهم سيبدون بعض التعاون. لكن رفض إسرائيل موجود في صلب أيديولوجية الإخوان المسلمين، وأي تنازل لإسرائيل سوف يكون مجرد خطوات تكتيكية وليس استراتيجية حقيقية للسلام.
لم يكن وجود إسرائيل أمراً سهلاً في الماضي، وهو الآن أكثر تعقيداً وغموضاً. يقول أحد المسؤولين الكبار: "ما زلنا داخل هذا التحول التاريخي الهائل، وما زلنا لا ندري إلى أين سيذهب بنا".
* كاتب في صحيفة واشنطن بوست
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق