في شهر يوليو من عام 64 للميلاد شب حريق هائل في روما لمدة ستة أيام متواصلة، متسببا في تدمير 70 بالمائة من المدينة وترك أكثر من نصف سكانها بلا مأوى. وثمة مقولة شائعة بأن الإمبراطور نيرون الذي كان يحكم روما آنذاك، والذي كان شخصا عابثا غير محبوب، "أخذ يعزف على الكمان بينما احترقت روما". ولهذه المقولة وجهان: الأول أن نيرون أخذ يعزف الموسيقى بينما كان شعبه يعاني، والآخر أنه كان زعيما فاشلا في وقت الأزمة.
لقد كان من السهل دائما إلقاء اللوم على نيرون، والذي كان له أعداء كثيرون ويوصف في الكثير من المراجع التاريخية بأنه أحد أكثر القادة سادية ووحشية في التاريخ بأسره – لكن هذه الرواية يعتريها عدد من جوانب القصور.
أولا: لم يكن الكمان موجودا في أيام روما القديمة، حيث يرى مؤرخو الموسيقى أن الآلات الوترية الساقية (ومن بينها الكمان) لم تظهر إلا في القرن الحادي عشر الميلادي. بمعنى أن نيرون إذا كان يمارس العزف فلا بد أنه يعزف على القيثارة، وهي آلة خشبية ثقيلة مزودة بما يتراوح بين أربعة وسبعة أوتار، لكن ليس ثمة دليل قاطع على أنه كان يعزف أثناء الحريق العظيم.
وقد أورد المؤرخ الروماني تاسيتوس روايات تزعم أن نيرون كان يتغنى بمقاطع عن دمار طروادة بينما كان يشاهد المدينة وهي تحترق، لكنه (تاسيتوتس) أكد بوضوح أن هذه المزاعم ليس لها ما يؤيدها من أقوال شهود العيان.
عندما شب الحريق العظيم كان نيرون في قصره بمنطقة أنتيوم على بعد حوالي 35 ميلا من روما. وعلى الرغم من أنه عاد إلى روما على الفور وباشر بنفسه عمليات الإغاثة فإن المواطنين لم يثقوا به، بل إن بعضهم اعتقدوا أنه هو الذي أمر بإشعال الحريق، خاصة بعد أن استخدم الأراضي التي خلت بفعل النار لبناء قصره الذهبي والحدائق الغناء المحيطة به. أما نيرون نفسه فقد اتهم المسيحيين (الذين كانوا آنذاك أتباع طائفة دينية محظورة) بافتعال الحريق، وأمر باعتقال الكثيرين منهم وإعدامهم. ومع إقرارنا بأن نيرون ربما يكون قد ارتكب الكثير من الخطايا، فإن قصة عزفه على الكمان أثناء احتراق روما تنتمي إلى الأساطير الشعبية، وليس الحقائق الموثقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق