الخميس، ديسمبر 06، 2012

ناسا مهددة بفقدان مكانتها في حقل الفضاء


 

بعد سنوات طويلة من إنجاز الكثير من العمل بالقليل من المال، أصبحت ناسا مهددة بفقدان دورها الرائد في استكشاف الفضاء لصالح دول أخرى، وذلك حسب تقرير حديث يدعو وكالة الفضاء الأمريكية إلى اتخاذ قرارات حاسمة حول استراتيجيتها طويلة الأمد وخططها المستقبلية.


وبينما تتضخم استثمارات الدول الأخرى (ومن بينها دول معادية) في الفضاء، لم يطرأ تغير يذكر على التمويل الذي تتلقاه ناسا من الحكومة الاتحادية سوى أنه بات أكثر عرضة للتخفيض. ومع ضبابية الرؤية الاقتصادية وتزايد الصعوبات المالية التي تواجهها الولايات المتحدة لم يعد بوسع الوكالة إحراز تقدم ملموس نحو إنجاز بعض مشاريعها الطموحة مثل إرسال رواد فضاء إلى المريخ أو أحد الكويكبات والعمل في الوقت ذاته على إنشاء مرصد جيمس ويب الفضائي بقيمة 8.8 مليار دولار، وذلك وفقا للتحليل الصادر عن المعهد الوطني للأبحاث.


يقول معدو التقرير، وهم 12 خبيرا مستقلا بقيادة مدير جامعة كاليفورنيا في لوس أنجيلوس ألبرت كارنسيل: "هذه المشكلات ليست بالضرورة من صنع ناسا، لكن الوكالة تستطيع التعامل مع هذه الأوضاع بصورة أفضل" ويضيفون: "إذا كانت الولايات المتحدة ترغب في الاحتفاظ بمكانتها المتقدمة في مجال الفضاء فإن عليها أن تعد برنامج فضاء يتصف بالثبات والجرأة والأهمية العلمية مع السماح بمشاركة الدول الأخرى، ويتعين على واشنطن أيضا أن تتصرف كشريك يمكن الاعتماد عليه. وعلى الرغم من أن الأمريكيين احتفظوا بالريادة والتفوق الفني لعقود طويلة، فإن الكثير من العناصر المذكورة غير موجود اليوم".


وذكر التقرير، الذي تولت ناسا إعداده بطلب من الكونغرس، أن الوكالة تفتقر إلى أجندة طويلة المدى من النوع الذي يتمتع بدعم حكومي وشعبي على نطاق واسع. ولم يتردد معدو التقرير في الإشارة إلى أن غالبية المشكلات التي تواجهها ناسا إنما ترتبط بالمال بالدرجة الأولى.


كما حذر التقرير من أن "ناسا لا تستطيع تنفيذ برنامج فضائي كبير ومتوازن في ضوء الميزانية المخصصة لها في الوقت الحالي: فثمة تباين كبير بين البرامج التي تلتزم ناسا بتنفيذها وبين الميزانيات المقررة أو المتوقعة لها... وينبغي معالجة هذا التباين إذا شاءت ناسا أن تضع لنفسها توجهات استراتيجية فاعلة من أي نوع".


وفي هذا الصدد، اقترحت اللجنة أربعة خيارات لتحقيق أهداف ناسا في إطار مواردها المتاحة في الوقت الحالي، مع الإقرار بأن اللجوء إلى الخيار الأكثر جاذبية (أي الحصول على المزيد من الأموال من الكونغرس) يبقى من الصعوبة بمكان "نظرا للمصاعب التي تعاني منها الميزانية الاتحادية". أما الخيارات الأخرى فتتضمن زيادة الاعتماد على الشراكات مع الدول الأخرى وشركات القطاع الخاص؛ وتنفيذ "برنامج إعادة هيكلة طموح" يشمل إلغاء بعض الوظائف وإغلاق بعض المرافق؛ أو التخلي عن بعض مجالات عمل الوكالة مثل برنامج رواد الفضاء أو دراسة أعماق الفضاء.


ولئن لم يحدد معدو التقرير الخيار الذي يتعين على ناسا أن تأخذ به، فقد ركزوا على أن الكونغرس والبيت الأبيض ليس بوسعهما تجاهل هذه الحقيقة المرة: "الموارد المتاحة لناسا لا تتناسب مع تستطيع الوكالة تحقيقه بالنظر إلى ما هو مطلوب منها".


وقد أثنى متابعو الوكالة عن كثب على التقرير بالقول إنه نجح في تلخيص المتاعب التي تواجهها ناسا.


يقول سكوت بيس، وهو مدير معهد سياسات الفضاء في جامعة جورج واشنطن: "أعتقد أنها قراءة تميل إلى التشاؤم، لكنها دقيقة". وكان بيس قد عمل في ناسا في عهد رئاسة جورج بوش الابن.


ويأتي إعداد هذا التقرير بعد مرور عام على إحالة أسطول مكوك الفضاء على التقاعد وبقاء ناسا من دون خطة واضحة للتعامل مع قسم الرحلات الفضائية المأهولة لديها. أما الأهداف للوكالة – مثل إرسال رواد فضاء إلى أحد الكويكبات بحلول عام 2025 ومن ثم إلى المريخ في ثلاثينيات القرن الحالي – فقد تعرضت للانتقادات من قبل بعض الخبراء بسبب خطورتها وقلة مردودها. ووفق التقرير فإن أروقة ناسا ذاتها تفتقر للإجماع على أن هذين الهدفين منطقيان.


وفي سياق الإعداد للتقرير قام أعضاء اللجنة بزيارة مراكز ناسا الميدانية العشرة في مختلف أنحاء البلاد، ومن بينها مختبر الدفع النفاث في بلدة لاكانيادا فلينتريدج الذي يديره معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتك)، كما أجروا مسحا على الإنترنت حصلوا من خلاله على حوالي 800 استجابة.


وبحسب كارنسيل فإن أعضاء اللجنة لمسوا ضعف الاهتمام بإرسال رواد فضاء إلى الكويكبات، سواء أكانوا من داخل الوكالة أم من خارجها.


وعلى الرغم من دعوة الرئيس أوباما لإرسال بعثة مأهولة إلى المريخ خلال السنوات 20-30 المقبلة فإن الاهتمام العالمي ينحصر حاليا في إعادة زيارة القمر.


ويرى التقرير أن هذا الرأي ستكون له أهمية كبيرة إذا لجأت الوكالة إلى تخفيض النفقات عبر عقد المزيد من الشراكات الدولية، خاصة بعد انقضاء أيام الحرب الباردة عندما كانت ناسا في أوج ازدهارها وكانت الولايات المتحدة قادرة على تحمل تكاليفها دون الحاجة لشراكة الآخرين.


إلا أن البعض عبروا عن قلقهم من أن منح المزيد من السيطرة على البعثات الفضائية للدول الأخرى سيكون من شأنه إضعاف ناسا أكثر فأكثر.


يقول ألدن مونسون، وهو زميل في معهد بوتوماك للدراسات السياسية إنه "لا يمكن نزع الصفة القومية عن برنامج الفضاء الوطني للبلاد". ويرى مونسون أن التعاون الدولي في مثل هذه البعثات "يفقدها الدعم السياسي".


وإذا اختارت ناسا هذا الأسلوب فإن الحال ستنتهي بها بمهمات تستغرق وقتا أكثر بكثير من المقرر، وهذا يزيد من التكلفة أيضا.


يقول كارنسيل: "هذه المهمات تكلف أكثر، وتستغرق وقتا أكثر، وتنطوي على قدر أكبر من المخاطر؛ ونحن نسعى لاستبعادها لأن ناسا تلعب الآن بالورقة الوحيدة التي لا تزال تملكها وهي الوقت".


ووفقا لكارنسيل فإن على مسئولي ناسا أن يأخذوا زمام المبادرة في إدارة المراكز العشرة وفق نظام أكثر كفاءة وتكاملا. أما في الوقت الحالي فإن الوكالة لا تملك من المرونة ما يكفي لإحداث تغيرات جذرية في هيكلها التنظيمي أو الوظيفي حيث أن القانون، على سبيل المثال، يحظر على ناسا إلغاء أي وظائف حكومية مدنية، وتغيير هذا بيد الكونغرس.


ويقول سكوت هوبارد، وهو المدير السابق لبرنامج المريخ في الوكالة ويعمل في الوقت الحالي محاضرا بجامعة ستانفورد، إن الحديث عن تعديل البنية التحتية لناسا أسهل بكثير من التنفيذ. وهو يطرح في هذا السياق المثال التالي: "جرت في السابق محاولات عديدة لإغلاق أحد مراكز ناسا لكنها جميعا باءت بالفشل".

ليست هناك تعليقات: