مؤلف هذا الكتاب هو واحد من أكثر الأفراد
تأثيرا على السياسة النقدية والأمريكية على حد سواء خلال العقود الثلاثة الأخيرة على الأقل، حيث تولى منصب رئيس الاحتياطي
الفدرالي الأمريكي من عام 1987 إلى 2006. لازم سوء الطالع عمل هذا الرجل في بداية
عهده (ما يسمى بالاثنين الأسود) ونهايته (الأزمة المالية العالمية) رغم أنه كان
محظوظا للغاية في حياته المهنية، حيث سطع نجمه بسرعة كبيرة بعدما شارك في الحملة
الانتخابية للرئيس نيكسون ومن بعدها في حملة الرئيس فورد الفاشلة أمام جيمي كارتر،
وكانت تربطه برونالد ريغان علاقة قوية أفضت به إلى تولي المنصب الأبرز في عالم
المال.
ينقسم الكتاب إلى نصفين متساويين تقريبا. في
النصف الأول يتحدث غرينسبان عن نشأته المبكرة ورحلته التي قطعها بين الاقتصاد
والسياسة وصولا إلى منصب رئيس الاحتياطي الفدرالي في عهد رونالد ريغان ثم جورج بوش
ثم بيل كلينتون وأخيرا جورج بوش الابن. أربعة رؤساء جمهوريين ورئيس ديمقراطي واحد.
والغريب أن غرينسبان، وهو جمهوري، لم ينسجم إلا مع كلينتون، الديمقراطي، رغم
اختلافه مع الكثير من آرائه! وأعتقد أن غرينسبان أراد بالحديث عن الانسجام مع
كلينتون أن يفوز بحصة من كعكة النجاح الاقتصادي الهائل الذي حققه الرئيس الأسبق خلال
فترتيه الرئاسيتين، والذي لم يلبث خلفه بوش الابن أن قضى على ذلك النجاح وحوله إلى
فشل كارثي.
اللافت أن غرينسبان تحدث بالكثير من العاطفة
عن جيرالد فورد (الرئيس الأمريكي الوحيد الذي تولى المنصب دون أن يسبق له خوض
انتخابات الرئاسة) ولم يخف أنه كان يتمنى لو فاز فورد في انتخابات عام 1976، وصرح
بأنه حاول إقناعه بخوض انتخابات الرئاسة إلى جانب رونالد ريغان كنائب للرئيس، بل
إنه أبدى تفاؤلا كبيرا عندما وجد أن جورج بوش الابن قرر الاستعانة بعدد من أركان حكم
فورد من أمثال ديك تشيني ودونالد رامسفيلد لكن آماله خابت فيما بعد، أو هكذا قال.
تحدث غرينسبان عن تجاربه مع الرؤساء الذين
عاصرهم، فقال إن ريغان كان يحرص على التشاور معه لكنه كان ملتزما بالمحافظة على
استقلالية الاحتياطي الفدرالي. أما جورج بوش الأب فقد كانت علاقته بغرينسبان
متوترة لدرجة أنه حمله مسؤولية هزيمته في انتخابات 1992 أمام بيل كلينتون. وعندما
تولى جورج بوش الابن الرئاسة كانت علاقته الشخصية جيدة مع غرينسبان لكن هذا الأخير
لم يخف استياءه من سياسة بوش القائمة على الوفاء بوعوده الانتخابية مهما كانت
العواقب، هذا ناهيك عن الحروب التي أشعلها والكوارث الطبيعية التي وقعت في عهده
المشؤوم!
الشطر الثاني من الكتاب مخصص للحديث عن آراء
غرينسبان حول الرأسمالية حول العالم وبعض نماذجها مثل بريطانيا والنمور الآسيوية
والهند، كما يتضمن آراءه التفصيلية حول الصين: اقتصادها وقادتها والرؤية
المستقبلية تجاهها، ثم يتحدث بشكل مقتضب عن روسيا ودول أمريكا اللاتينية والنفط
وبعض التوقعات المستقبلية. وغني عن القول أن غرينسبان – بوصفه جموريا ليبراليا كما
وصف نفسه – يؤمن بالحرية الاقتصادية المطلقة للأفراد والشركات والمصحوبة بكف يد
الحكومة عن مجمل النشاط الاقتصادي، وهو يدافع في هذا الكتاب بشدة عن هذه النظرية
ولا يتردد في الاسترسال في الحديث عنها كلما سنحت فرصة لذلك.
أعتقد
أن القيمة التأريخية للكتاب – أي الحديث عن الرؤساء الأمريكيين وغيرهم من وزراء
ونواب ومسؤولين غير أمريكيين – لا تقل عن قيمته الاقتصادية أو المالية، هذا مع
الإشارة إلى أن الجانب الشخصي في الكتاب محدود للغاية حيث يطغى عليه الجانب المهني
بشكل صارخ. وفي هذا السياق لا أرى أن الكتاب سيكون مشوقا لمن يبحث عن التشويق، ولا
ينخدعن أحد بالعنوان الفرعي للكتاب "مغامرات في عالم جديد"، فحياة الرجل
كانت أبعد ما تكون عن المغامرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق