الجمعة، نوفمبر 08، 2013

قراءة في مسرحية "الأبواق والتوت البري" للإيطالي داريو فو

في عام 1978 تعرض رئيس الوزراء الإيطالي ألدو مورو للاختطاف على يد منظمة "الألوية الحمراء" التي طالبت بالإفراج عن عدد من المعتقلين السياسيين مقابل إطلاق سراح مورو، وهددت بقتله إن لم تحصل على مطالبها. رفضت الحكومة الإيطالية شروط الألوية الحمراء رفضا قاطعا فلجأت هذه الأخيرة إلى تنفيذ تهديدها وقتلت مورو بالرصاص ثم تخلصت من جثته في الصندوق الخلفي لإحدى السيارات.


أثارت حادثة خطف رئيس الوزراء واغتياله العديد من التساؤلات (الشيء نفسه حصل في ليبيا قبل أسابيع غير أن رئيس الحكومة خرج سالما) التي انعكست على العديد من الأعمال الفنية وغير الفنية. والتساؤل الذي يطرحه داريو فو في هذه المسرحية هو: ماذا لو أن المختطف هو مسؤول كبير في إحدى الشركات الكبرى التي تسيطر على الاقتصاد؟ شركة فيات لصناعة السيارات مثلا؟ هل كانت الدولة ستمتنع عن التفاوض أم أنها ستسلم كل شيء للخاطفين مقابل خروج ذلك المسؤول؟ أيهما أهم: السياسي أم الاقتصادي؟

معالجة المسرحية لهذه التساؤلات جاءت هزلية ساخرة، لا تترك في المجتمع الإيطالي شيئا دون أن تسخر منه. وقد حرص المؤلف على تقديم مسرحية يقتصر دور المخرج فيها على تنفيذ تعليماته فحسب؛ حيث لا تخلو صفحة فيها من تفاصيل دقيقة تتعلق بحركات الممثلين وإيماءاتهم، كأنما كان يشاهد المسرحية وهو يكتبها.


السخرية في المسرحية هي السائدة حتى إنها لتقترب من التهريج المبتذل أحيانا، لكنني أعتقد أن "الكليشيهات" المقدمة فيها ربما لم تكن مبتذلة في وقت صدور المسرحية على الأقل (عام 1981). وثمة نقطة أخرى هي أن الحوار مثقل بالإيحاءات والتعبيرات التي تحمل معاني متعددة يرتبط أغلبها بالبيئة المحلية في إيطاليا في الحقبة الزمنية التي شهدت صدور المسرحية (قبل أكثر من ثلاثين عاما)، وهذا يجعل عبء ترجمة مثل هذا العمل كبيرا للغاية. والحق أن المترجمة د. سامية دياب بذلت جهدا واضحا في تقريب المعنى بقدر الإمكان إلى الذائقة العربية، لكن لكل لغة خصوصياتها لا سيما إذا اقترنت بزمان ومكان محددين.

ولعل بيت القصيد في المسرحية ما ورد على لسان "أجنيللي" عندما قال عن شركة فيات: وما الغريب في ذلك؟ منذ 80 عاما ونحن نجبر كل إيطاليا على سياراتنا، ولم ينطق أحد بكلمة!!

ليست هناك تعليقات: