جيمس دوبيك
(نيويورك تايمز)
يصر الرئيس أوباما على أن حماية المدنيين هي الهدف العسكري الوحيد في ليبيا وأن الضربات الجوية هي الوسيلة الوحيدة التي سوف نستخدمها لتحقيق هذا الهدف. لكن هجمات الحكومة الليبية على المدنيين مستمرة، وقد فشلت الضربات المستمرة في وقفها.
وبعيدا عن الأحكام العامة، فإن الغاية الاستراتيجية غير المعلنة من التدخل في ليبيا هي الإطاحة بالعقيد معمر القذافي ونظامه، وإن الأمور لا تسير على ما يرام. يجب تقبل الولايات المتحدة ومعها حلف شمال الأطلسي بأن ليس ثمة طريقة سهلة للخروج من هذه الحرب بعد أن تورطنا فيها.
في الحرب، ليس من يقود المعارك أولئك الذين يلوذون بالصفوف الخلفية ويعرضون أنفسهم لأقل قدر ممكن من المخاطر. على واشنطن أن تتوقف عن التظاهر بأننا نقلنا قيادة العمليات في ليبيا إلى حلف شمال الأطلسي. لقد فعلنا ذلك من قبل في البوسنة، عندما زعمنا أن أوروبا هي التي ستتولى القيادة، ولم نعد إلى صوابنا إلا عندما وقعت مجزرة سبرينيتشا في العام 1995. سواء أأعجبنا ذلك أم لم يعجبنا، فإن القيادة الأمريكية لحلف شمال الأطلسي هي التي حققت معظم إنجازاته، وهذا أيضا سوف يتحقق في ليبيا.
وينبغي أيضا أن تكون حرب العام 1999 في كوسوفو قد علمتنا أن القوة الجوية وحدها لا تحقق النصر. إذ أن الميزان لم يمل لصالح حلف شمال الأطلسي إلا بعد التهديد بهجوم بري وبإضعاف الدعم الروسي لصربيا.
القصف الجوي وسيلة فعالة جدا ضد الأهداف التي يمكن تمييزها وفصلها عن المدنيين وقوات الحلفاء. لكن قوات القذافي تستخدم وسيلة دفاع تقليدية ضد التفوق الجوي: الاقتراب من العدو لأقصى درجة ممكنة. وهذا يعني أن استخدام القوة الجوية وحدها سوف يؤدي إلى نتيجة غير مرغوب فيها وهي تقريب هذه القوات من الناس الذين نسعى لحمايتهم. كما أن أكثر الطيارين احترافا يصبحون بغير فعالية في الأحوال الجوية السيئة أو عندما يجبرون على التحليق على ارتفاعات كبيرة أو بسرعات كبيرة بسبب إطلاق مضادات الطائرات المحمولة على الكتف باتجاههم.
لقد أخطأ مؤيدو شن حملة قصيرة الأمد من القصف الجوي. فالمدنيون لم تتم حمايتهم كما كان متوقعا، والقذافي يرفض التنازل، والقبائل تهدد بالتدخل في النزاع، وليبيا ربما تكون على حافة الانهيار. أمام واشنطن الآن ثلاثة خيارات أحلاها مر.
يمكن لأميركا أن تنسحب، زاعمة أن التدخل كان خطأ استراتيجيا، لكن القذافي المنتشي بالنصر سوف يسعى على الأرجح للانتقام من الثوار وكل من ساندهم. كما أن قرار حلف شمال الأطلسي بالتدخل سوف يصبح موضع مساءلة، وكذلك القرار الأمريكي. سوف تفقد واشنطن كل نفوذ لها في المنطقة ولن تضيع القاعدة الفرصة للقول إن الولايات المتحدة قد تخلت عن المسلمين في أرض المعركة.
أو من الممكن أن نستمر في بذل أقل جهد ممكن لتجنب وقوع خسائر. لكن حتى لو سقط العقيد القذافي في النهاية، سوف نبقى مضطرين لمواجهة العواقب المجهولة التي ستشهدها ليبيا بعد الحرب، إذ لن يستطيع حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة مغادرة المنطقة ببساطة. لقد جربنا ذلك في العراق وأفغانستان فكانت النتيجة وقوع تمرد في كل منهما.
أخيرا، يمكن للولايات المتحدة وحلفائها أن يقدموا كافة الإمدادات العسكرية اللازمة لحماية المدنيين الليبيين بالفعل وإسقاط العقيد القذافي. فعلى النقيض من الكروات البوسنيين في العام 1995 وحلف الشمال في أفغانستان في العام 2001، فإن ضعف التنظيم في قوات الثوار الليبيين يحول دون استفادتهم من الدعم الجوي الذي يوفره حلف شمال الأطلسي. ولكي يمنحهم الحلف أفضلية قتالية ينبغي إرسال مستشارين عسكريين ومحطات تحكم جوية على الأرض: ليس فقط من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، بل ومن أميركا أيضا.
يمكن أن يعمل هؤلاء المستشارون على تعزيز التنظيم والإمكانيات الضعيفة لدى الثوار بينما يمكن لمحطات التحكم الأرضية تحديد الأهداف وتوضيح كيفية تقدم قوات الثوار، وتمييز المدنيين من المقاتلين بفعالية أكبر من تلك التي يملكها الطيارون في قمراتهم. هذه الإجراءات ضرورية جدا لكن تنفيذها يتطلب تخفيف القيود التي تفرضها إدارة أوباما على استخدام القوات البرية الأمريكية.
لن يؤدي اتباع هذا المنحى في العمل إلى هزيمة العقيد القذافي بين ليلة وضحاها، لكنه سوف يلقي بضغط هائل على نظامه وربما يؤدي إلى حماية عدد أكبر من المدنيين على مساحة أوسع في البلاد. وإذا سقط العقيد القذافي فإن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي سوف يتحملان مسؤولية إعادة تشكيل نظام ما بعد الحرب، وهذا يشمل توفير الأمن لمنع سقوط ليبيا الحرة في هوة الفوضى.
وعلى أية حال، فإن الجيش والشرطة المواليين للقذافي لن يكونا مؤتمنين على توفير الأمن في البلاد: حيث أن الكثير من أفرادهما سوف يتحولون إلى متمردين كما فعلت قوات صدام حسين في العراق. أما الثوار فلن يستطيعوا توفير الأمن بدورهم لأنهم ربما يفضلون الانتقام على الاستقرار.
من المرجح أن تقع مسؤوليات الأمن وإعادة البناء وبناء الدولة على الأمم المتحدة، وهذا يعني إرسال قوة حفظ سلام متعددة الجنسيات إلى ليبيا تضم قوات من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والدول العربية. على واشنطن أن تبدأ بالتخطيط والإعداد لهذا الاحتمال المعقد والمكلف وأن تستجمع رؤاها السياسية لمواجهته. وبينما لا توجد أي ضمانة تؤكد أن هذا المشروع سوف يكون أكثر كفاءة أو فعالية مما جرى في العراق أو أفغانستان، فإن التقصير في التخطيط له سوف يكون كارثيا.
لغاية الآن، اخترنا أداة – الضربات الجوية – فعالة لكنها لا تكفي لتحقيق أهدافنا الإنسانية أو الاستراتيجية بمفردها. لا داعي للتظاهر بعد الآن: لقد تدخلت الولايات المتحدة في حرب أهلية هدفها الفعلي هو تغيير النظام في ليبيا. على واشنطن الآن أن تقبل بذلك القرار وأن تتحمل عواقبه.
جيمس م. دوبيك: فريق متقاعد بالجيش الأمريكي كان قد أشرف على تدريب القوات العراقية بين عامي 2007 و2008، وهو من كبار زملاء معهد الدراسات الحربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق