الجمعة، أكتوبر 19، 2012

لعنة جورج بوش الابن تطارد ميت رومني



يعاني ميت رومني في الوقت الحالي من مشكلة مؤرقة اسمها جورج بوش الابن.

 وهذه المشكلة في الحقيقة هي أكبر المعضلات التي يواجهها رومني. فالرئيس السابق جورج بوش الابن، وليس باراك أوباما، هو الذي أثار الشكوك لدى الكثير من الناخبين حول أساسيات سياسة رومني. وجورج بوش الابن، وليس المستشار الاستراتيجي في حملة أوباما ديفيد بلوف، هو الذي أقنع الناخبين بأن الأزمات التي يعاني منها الاقتصاد ليست بالضرورة من صنع أوباما. وهكذا يمكن القول إن على رومني أن يواجه خوف الناخبين من تكرار تجربة جورج بوش الابن، وبالقدر نفسه تعاطفهم مع أوباما، إذا أراد أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة.

وقد حصل رومني على فرصة لتحقيق الأمرين معا خلال المناظرة الأخيرة التي أجريت يوم الثلاثاء الماضي، عندما وقف أحد الناخبين من مقاطعة ناسو (نيويورك) وتوجه إلى رومني بالسؤال قائلا: "أنا ناخب لم أحدد موقفي بعد بسبب خيبة أملي من ضعف التقدم الحاصل خلال السنوات الأربع الأخيرة، ولكنني في الوقت نفسه أعزو الكثير من أزمات أميركا الاقتصادية والدولية إلى الفشل والتخبط اللذان اتسمت بهما إدارة بوش. وبما أنك جمهوري مثل بوش فإنني أخشى من العودة إلى السياسات التي كانت متبعة آنذاك في حال فوزك بالانتخابات. ما هو أكبر الفوارق بينك وبين جورج بوش؟ وكيف تميز نفسك عنه؟"


قدم هذا السؤال لرومني فرصة ذهبية كان يجدر به أن يكون مستعدا لها. والواقع أنه كان يجدر به أن يتمنى من كل قلبه أن يطرح عليه أحدهم هذا السؤال بالذات. لكن ما حصل هو أن رومني تقاعس عن استغلال هذه الفرصة الذهبية، بل حدسه وجهه إلى تجاهل السؤال برمته.

قال رومني: "شكرا لك"، وأضاف: "أعتقد أن هذا السؤال مهم" لكن ذهنه كان لا يزال معلقا بالسؤال الذي سبقه حيث قال مخاطبا مديرة الجلسة كاندي كراولي: "ما أريد أن أتأكد منه هو..أعتقد أن كان من المفترض أن أجيب عن السؤال السابق".

كانت هذه إحدى أكثر اللازمات غرابة لدى رومني، أي الاحتجاج بشكل متواصل ومثير للبؤس على  قواعد المناظرة. بل إنه كان يبدو في بعض الأوقات كما لو كان مرشحا لأحد المقاعد البرلمانية وليس رئاسة الدولة. أما كراولي فقد حدجته بنظرة قاسية ثم أكدت له بوسعه استغلال الوقت المخصص له في توضيح الفرق بينه وبين جورج بوش الابن بالطريقة التي يراها مناسبة حيث قالت: "تفضل واستخدم الدقيقتين المخصصتين لك كيفما شئت؛ فالسؤال موجه لك".

خصص رومني الجزء الأول من إجابته للسؤال السابق الذي كان يتعلق بمنع الحمل. ولم يتحول إلا في وقت لاحق إلى الإجابة عن السؤال الأكثر مركزية في حملته الانتخابية حيث قال: "دعني أجيب عن سؤالك بما يلي: إن الرئيس بوش وأنا شخصان مختلفان، وقد تغيرت الأحوال الآن، ولذا فإن خطتي المكونة من خمس نقاط تختلف كثيرا عما كان سيفعله هو".

لنلاحظ ما لم يقله رومني في إجابته: إنه لم يذكر أن بوش قد ارتكب أخطاء بالغة الجسامة قبل أن يغادر البيت الأبيض وهو أحد أقل الرؤساء شعبية في التاريخ الأمريكي. وهو لم يقل مثلا: "إنك محق في شكوكك حول سياسات الجمهوريين لأننا لم نحقق تطلعاتكم في المرة الماضية" بل كان ما قاله قريبا من: "هل سمعت بخطتي المكونة من خمس نقاط؟".

لقد كان رومني محقا في شيء واحد: لقد تغيرت الأحوال كثيرا عما كانت عليه عندما رشح جورج بوش الابن نفسه للانتخابات. وهذا بالذات هو السبب في جعل الخطة ذات الخمس سنوات تبدو بمظهر بائس، ليس فقط لأنها لا تحوي أي عنصر مما كان بوش سيرفضه لو عُرض عليه في انتخابات العام 2000، بل أيضا لأنها كانت ستبدو أكثر قربا من الواقع لو أنها طُرحت في عام 2000.

خذ التخفيضات الضريبية مثلا. عندما كان بوش يقترح تخفيضات ضريبية دون أي تعويضات، كانت الميزانية تتمتع آنذاك بفوائض هائلة وكانت قيمة الإيرادات الضريبية قياسية. وفي ذلك الوقت كان اقتراح بوش بتخفيض الضرائب منطقيا إلى حد ما. أما رومني فقد جاء ليقترح تخفيض الضرائب في وقت تعاني فيه البلاد من عجز متضخم وإيرادات ضريبية متدنية للغاية. لقد تغيرت الأحوال، وهذا صحيح، لكن سياسات رومني هي التي لم تتغير.

"سوف أنقض على الصين"، هذا ما وعد به رومني. لكن تلاعب الصين بقيمة عملتها تراجع مؤخرا. وقد أشار أوباما خلال المناظرة إلى أن قيمة العملة الصينية تحسنت كثيرا في الآونة الأخيرة. وبالإضافة لما سبق فإن ارتفاع أجور العمال الصينيين وسعيهم إلى المهن التي تتطلب مهارات أكبر يجعل التهديد الصيني أكثر ارتباطا بالمنافسة منه بالتلاعب بقيمة العملة. ربما كان بوسعنا الاحتفاظ ببعض الوظائف لو أننا انقضضنا على الصين في عام 2000. أما في أواخر العام 2012 فإن هذا يبدو كمن يحكم إغلاق حظيرته بعد أن فرت منها الجياد.

وقد وعد رومني أنه بمجرد اعتلائه الرئاسة سوف يطلق "سياسات نشطة لاستخراج كل الطاقة الكامنة في أميركا الشمالية بحيث تصبح إمدادات الطاقة للقارة آمنة". من المضحك القول بأن هذه الفكرة تختلف عما كان يطرحه بوش لأن رومني يبدو مثله تماما عندما وعد بزيادة اعتماد الولايات المتحدة على الوقود الأحفوري. فقد قال بوش في عام 2000: "دعوني أخبركم بكل وضوح: إن إنتاج النفط في ازدياد واستهلاكه آخذ في انخفاض، ووارداتنا من النفط الأجنبي في تزايد متواصل. وقد فشلت إدارة الرئيس الحالي [كلينتون] في التصرف حيال ذلك". ومن غير المستبعد إطلاقا أن يستخدم رومني المفردات ذاتها التي استخدمها بوش عندما قال: "يقول خصمي إنه يؤيد استخدام الغاز الطبيعي – لكنه لا يريد السماح باستكشافه ولا بنقله".

قال رومني: "سوف أضع للبلاد ميزانية متوازنة" وكذلك قال بوش من قبله، والذي أيد تعديل الدستور للمطالبة بميزانية متوازنة. وكان بوش، مثل رومني تماما، شديد الوضوح حول تفاصيل تخفيضاته الضريبية وزيادة النفقات العسكرية، بينما كان يلجأ إلى المفردات الغامضة عند الحديث عن تخفيض النفقات. وكانت عاقبة ذلك ارتفاع العجز إلى مستويات غير مسبوقة.

نقطة الاختلاف الأخيرة بين رومني وبوش هي "الاحتفاء بالأعمال الصغيرة"، حيث وعد الأول بالإبقاء على الامتيازات الضريبية لهذه الفئة وإخراجها من التنظيم. لكن لا يمكن القول إن بوش كان معارضا لهذه السياسة. ثم أن رومني أعاد التأكيد على وعده بإلغاء إصلاحات أوباما للقطاع الصحي، وهو في ذلك لم يكن مخالفا لبوش أيضا.

لنعد إذن إلى لوحة النتائج: ما قدمه رومني من وعود لم يكن بوش ليعترض عليه في العام 2000. وقد تعمد رومني إخفاء بعض أبرز نقاط الاتفاق بينه وبين بوش؛ على سبيل المثال: وقع انهيار شركة إنرون ومن بعده الأزمة المالية خلال ولاية بوش الرئاسية. ونتيجة لذلك فقد أقر الكونغرس قانون ساربينس – أوكسلي ومن بعده قانون دود – فرانك لزيادة صرامة الأنظمة المالية، أما رومني فقد اقترح إلغاء القانونين كليهما.

وقد تنبه أوباما إلى بعض الفوارق بين رومني وبوش عندما قال: "ثمة اختلافات في الواقع بين رومني وبوش، حيث أن الأخير لم يقترح تحويل برنامج التأمين الصحي (Medicare) إلى مجرد إيصال استلام".

وليت أوباما كان محقا فيما ادعى. ففي الصفحة 233 من البرنامج الذي تبناه بوش للإصلاح في انتخابات عام 2000 وكان بعنوان "تجديد أهداف أميركا"، عبر بوش عن تأييده لتوصيات اللجنة الوطنية التوافقية حول مستقبل برنامج التأمين الصحي وخاصة "خطة الإصلاح المستندة إلى برنامج المزايا الصحية للموظفين الفدراليين". والواقع أن البرنامج المذكور كان سيحول التأمين الصحي إلى مجرد إيصال استلام.

نحن الآن في عام 2012 ولسنا في عام 2000. ميزانيتنا تتسم بالعجز أكثر من اتسامها بالتوازن. لدينا أرقام قياسية في ارتفاع البطالة لا انخفاضها. وقد رأينا ما يستطيع النظام المالي أن يفعله عندما نتركه دون رقابة. لقد شاهدنا فشل التخفيضات الضريبية بين عامي 2001 و2003 في تحفيز النمو الاقتصادي وتابعنا كيف أن صعود مؤشرات أسواق الأسهم لم يرفع رواتب أبناء الطبقة المتوسطة. نحن بحاجة إلى التفكير بطرق جديدة، لكن رومني لا يقدم أيا من ذلك. إن مشكلته لا تكمن في أن العامة يحكمون عليه، ظلما، في ضوء سياسات بوش؛ بل إن مشكلته تكمن في أن العامة يحكمون عليه، وهم محقون، في ضوء سياسات بوش.

ليست هناك تعليقات: