الاثنين، أكتوبر 08، 2012

تحويل أزمة العملة في إيران إلى ثورة


في خضم المد المعتاد من نظريات المؤامرة، أطلق الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد تصريحا ذكيا في خطاب بثه التلفزيون الإيراني الأسبوع الماضي قال فيه: إن الغرب يشن "حربا" اقتصادية ضد إيران.

والواقع أن نجاد كان محقا فيما قال؛ فانهيار الريال الإيراني هو أول علامة واضحة على طريق انتصارنا، ولا شك في أن فقدان الريال 40% من قيمته أمام الدولار الأمريكي منذ أواخر سبتمبر الماضي مؤشر على مخاوف مما هو أشد خطورة: فصادرات النفط هبطت إلى مستوى مليون برميل يوميا مقابل 2.2 مليون برميل العام الماضي، وانخفضت واردات النفط الربعية بمقدار 15 مليار دولار. أما التضخم، الذي تزعم الحكومة أنه لا يتجاوز 25%، فمن المرجح أنه بلغ 70%، ومن المرجح أيضا أن المستوى الحقيقي للبطالة يزيد بثلاثة أضعاف عن النسبة المعلنة وهي 12%. وما زالت البلاد تعاني من نزيف الاحتياطيات الأجنبية والتي كانت تقدر بحوالي 110 مليار دولار في نهاية عام 2011.

سوف يقول منتقدو العقوبات إن هذه الضربات الاقتصادية لم تغير من الموقف المتشدد للقيادة الإيرانية حيال برنامجها النووي، حيث صرح مسؤولون إيرانيون في 2 أكتوبر بأن طهران سوف تعمد في حال فشل المفاوضات الجارية حاليا إلى رفع درجة تخصيب اليورانيوم الموجود بحوزتها من 20 بالمائة إلى 60% بحيث يصبح وقودا لأسطول الغواصات النووية (وهو غير موجود أصلا)، بحيث تقترب درجة التخصيب إلى المستوى الكافي لصناعة قنبلة نووية وهو 90 بالمائة.

فلنتجاهل هذا التهديد! يمكن رؤية النتيجة الحقيقية للعقوبات في الاضطرابات التي اندلعت خارج طهران وفي غيرها من المدن خلال الأيام القليلة الماضية، وهي ليست الأولى من نوعها للدلالة على السخط الشعبي على كيفية إدارة الحكومة للاقتصاد. فقد شهد الصيف المنصرم موجة من الإضرابات عندما احتجت إحدى النقابات العمالية على الارتفاعات الكبيرة في الأسعار بينما "لم تتجاوز الزيادة في رواتب العمال 13% فقط". (استجاب النظام لتلك الاحتجاجات بسجن الناشطين العماليين وجلدهم). وعلى الصعيد السياسي صرح رئيس البرلمان علي لاريجاني الأسبوع الماضي بأن حكومة أحمدي نجاد مسؤولة "بنسبة 80%" عن المصاعب الاقتصادية التي تشهدها البلاد.

إننا عندما نزيد من الضغط على إيران لا نتوقع من النظام أن يكتشف الجوانب السلبية من طموحاته النووية، وإنما الهدف هو الوصول بالوضع الاقتصادي إلى درجة من التدهور تجعل المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي يدرك أنه يعود بوسعه أن يشاهد أفراد شعبه وهم يرزحون تحت المزيد من العقوبات بسبب أحلامه النووية.

ربما يكون الغرب قد استبعد برميل النفط من هذا السياق لغاية الآن. وربما يكون بوسع الولايات المتحدة أن تزيد من الزخم الدبلوماسي والسياسي بحيث تحصل على قدر أكبر من التعاون من الدول القليلة التي تقول واشنطن إنها تجري تخفيضات "كبيرة" على وارداتها من النفط الإيراني مثل الهند واليابان وكوريا الجنوبية وربما الصين. وفي جميع الأحوال فإن تخفيض مبيعات النفط الإيرانية إلى ما دون مستوياتها الحالية سوف يعود عليها بالضرر.

لقد حان الوقت أيضا لتوسعة نطاق الحرب لتشمل جبهات أخرى: استهداف قطاع الطاقة الإيراني بالكامل، وزيادة العراقيل الموضوعة أمام الشركات الراغبة في بيع أي بضائع تجارية غير إنسانية لإيران، والسعي إلى استنزاف أو تجميد ما تبقى لدى النظام من احتياطيات العملات الأجنبية.

إن التضخم الصاروخي الذي تشهده إيران ناتج جزئيا عن تراجع الواردات، وقد أدى ذلك إلى تحول اللحوم إلى بذخ بعيد عن متناول عامة الشعب واضطر الحكومة إلى تخزين القمح المستورد من أوروبا الشرقية والهند. وهذا هو الأثر الحقيقي للجهود الأمريكية في وضع العراقيل أمام الشركات الراغبة في التعامل مع البنك المركزي الإيراني. كيف يمكن تعزيز ذلك الضغط؟

في البداية، بوسع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي توسعة العقوبات لتشمل كافة المؤسسات المالية الإيرانية. وعندما يلتقي القادة الأوروبيون في منتصف أكتوبر لمناقشة الملف الإيراني، عليهم أن يتفقوا على وقف الاستثناءات التي تسمح للبنك المركزي الإيراني باستخدام الاحتياطيات التي يحتفظ بها في المصارف الأوروبية للأغراض التجارية، وعليهم أيضا أن يمنعوا ما يسمى بالمعاملات الدائرية التي أوقعت مصرف ستاندرد تشارترد في أزمة مع السلطات في ولاية نيويورك.

وإضافة لما سبق، وبالرغم من أن منع الشركات من تصدير الأغذية والمنتجات الاستهلاكية إلى إيران سوف يعرض الولايات المتحدة لانتقادات حادة بوصفها لكونها تساهم في تجويع الشعب الإيراني (ومن المحتمل أن يؤثر سلبا كذلك على العلاقات مع الدول الأوروبية التي ما زالت تدعم العقوبات لغاية الآن)، فإن ثمة أساليب أكثر نجاعة في تضييق الخناق، ومن بينها قيام الاتحاد الأوروبي بمنع شركات التأمين من تقديم أي بوالص للتأمين البحري أو التجاري لأي بضائع غير غذائية أو دوائية متوجهة إلى إيران.

وفي سياق آخر، بإمكان الولايات المتحدة أن تدفع باتجاه فرض حظر دولي على التعامل مع أي شركة على علاقة بقطاع الطاقة الإيراني، والذي يخضع لسيطرة النظام وقوات الحرس الثوري التابعة له (والتي وضعتها واشنطن على قائمتها السوداء). سوف يكون هذا الإجراء أفضل بكثير من استهداف الشركات بشكل فردي، لأن الإيرانيين نجحوا في إنشاء جبهات جديدة وبرعوا في تبديل رايات السفن للتكتم على هويتها الحقيقية. ويمكن استغلال القرار الصادر عن الأمم المتحدة في عام 2010 بموافقة روسيا والصين لمساندة التحرك الدولي في هذا المجال.

ومن شأن ارتفاع التضخم وانخفاض كميات السلع المتوفرة في الأسواق الإيرانية أن يؤديا إلى إذكاء السخط الشعبي على النظام، وفي الوقت نفسه إضعاف الجهود الهادفة إلى استنزاف احتياطيات العملة الأجنبية، والتي ترى بعض التقديرات أنها ستكفي لعامين إضافيين. ولكي تحل تلك اللحظة في وقت أبكر، يقترح مارك دوبويتز من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية إيجاد برنامج للملاذات الآمنة يساعد أفراد الشعب الإيراني على نقل مدخراتهم إلى المصارف الأمريكية. ومن المتوقع بالطبع أن يقاوم الملالي هذا التحرك عن طريق فرض قيود على حركة رأس المال وغيرها من الإجراءات القمعية، لكن هذا سوف يضعهم في موضع من يعادي المصالح الاقتصادية لأبناء جلدتهم بينما تحاول الولايات المتحدة أن تمد يد العون لهم.

تستغرق العقوبات مدة طويلة، وهي لا تهدف إلى تجويع الشعب الإيراني بقدر ما تسعى إلى إقناعه بأن قادته لم يعودوا يعملون لمصلحة بلادهم. ولن يغير خامنئي سياسته إلا عندما يجد نفسه مضطرا للاختيار بين برنامج الأسلحة وبين سقوط النظام بأكمله. وأيا كان اختياره في تلك الحالة فإنه سيكون مرضيا للولايات المتحدة.



ليست هناك تعليقات: