الثلاثاء، يناير 15، 2013

قراءة في رواية "سلالم الشرق" لأمين معلوف


نُشرت هذه الرواية للمرة الأولى في فرنسا عام 1996، وهي الرواية الأولى لأمين معلوف التي تقع أحداثها في القرن العشرين (كانت روايته "صخرة طانيوس" التي تناولت أوضاع بلاد الشام في أربعينيات القرن التاسع عشر قد فازت بجائزة غونكور الأدبية المرموقة لعام 1993).



الراوي الرئيسي في هذه الرواية يحمل اسما غريبا هو "عصيان"، ينشأ في أسرة تعيش أمجاد ماضي الدولة العثمانية بكل ما فيه من أسى النهايات وأسئلة ما بعد الهزيمة السابقة وما قبل الهزيمة اللاحقة. جدته تعاني من الجنون، ووالده يريده ثوريا.



يرحل عصيان إلى فرنسا الواقعة تحت الاحتلال النازي، ويجد نفسه منخرطا في نشاطات ذات صلة بالمقاومة، فنراه يحمل اسما مستعارا ووثائق مزيفة وينفذ مهمات سرية، ويتعرف في هذه الظروف العصيبة على كلارا التي ستصبح فيما بعد محبوبته ويبقى على هذه الحال إلى أن تضع الحرب أوزارها فيقرر العودة إلى لبنان.



وفي لبنان واقع آخر يتشكل، وأصداء ما يجري في فلسطين قريبة في المكان والزمان، ولكن عصيان يتمرد على هذا الواقع بطريقته الخاصة، متجاهلا كل ما يجري بين العرب واليهود، غير آبه بالكارثة الوشيكة التي ستشهدها أرض فلسطين، فيطلب الزواج من كلارا التي توافق على الفور.

 



يقيم الزوجان في حيفا لبعض الوقت قبل أن يضطر عصيان للعودة إلى لبنان كي يعود والده المحتضر، ويموت الأب فتنتهي حقبة وتبدأ حقبة جديدة، وتتوقف حركة العبور بين لبنان وفلسطين التي صارت تسمى إسرائيل، فيمسي كل واحد من الزوجين في دولة منفصلة بعد أن أصبحا في إقليم واحد، وتتضاعف المسافة بين بيروت وحيفا أضعافا كثيرة، ويحين وقت الفراق.



وتأخذ الأحداث بعد ذلك منحى مختلفا قليلا عما قد يتوقعه القارئ إلى أن تمضي بنا إلى نهاية لا أراها مفاجئة بقدر ما أراها مناسبة للنسق السردي في هذا النوع من الروايات، حيث البطل مجرد إنسان بقدرات محدودة يغالب الأحداث فتغلبه، ولا يخرج من الدنيا بكثير من الانتصارات.



بطل الرواية وكل المحيطين به من أفراد أسرته يعانون من العجز والانكسار والهزيمة أمام حياة لم يختاروها وظروف لم يصنعوها. كلهم يظنون، أو يزعمون، أو يتمنون أنهم ثوريون متمردون على زمانهم لكن الواقع غير ذلك. وقد أعجبني كثيرا أسلوب السرد الرشيق الذي يتجاهل الكثير من التفاصيل لصالح المحافظة على نسق الحكاية وتوازن مكوناتها.



ولا يعني هذا أنني كنت مسرورا وأنا أقرأ العبارات التي حاول الكاتب أن يختلس فيها الإشارة إلى وجود من يؤمنون (من بين العرب واليهود على حد سواء) بعدالة قضية الطرفين على حد سواء، وإن كان إنكار وجود أولئك ضربا من الوهم فإن وضعهم على طبق من ذهب وتقديمهم للقارئ الغربي (أمين معلوف يكتب بالفرنسية لا العربية) يجعل المرء يتشكك في مقدار الشجاعة الأدبية التي يتحلى بها كاتب يتوجه إلى العالم بكتاباته، ولا نريد منه سوى أن يكون منصفا قليلا، ولو بأقل قدر من الإنصاف.



ويبقى السؤال الأخير بعد نهاية الرواية: هل سيستأنف عصيان وكلارا في فرنسا حبهما الذي بدأ هناك؟ أم أن عمق الجروح يمنعها من أن تندمل؟

ليست هناك تعليقات: