السبت، يناير 19، 2013

هل ستضطر الصين للتخلي عن قاعدة الطفل الواحد؟

فيكاس بجاج

نشر مسؤولون صينيون يوم الجمعة بيانات تظهر أن اقتصاد البلاد نما بوتيرة أسرع مما كان متوقعا في نهاية العام الماضي. استقبل المستثمرون هذه الأنباء بترحاب كبير، متجاهلين في الوقت نفسه الأنباء الأخرى التي حملتها هذه البيانات: لقد بدأت أعداد المواطنين الصينيين في سن العمل بالانخفاض رسميا. ففي عام 2012، ولأول مرة منذ سنوات طويلة، تراجع عدد المواطنين الصينيين في الفئة العمرية 15-59 عاما بواقع 3.45 مليون نسمة إلى 937.27 مليون شخص.

وعلى الرغم من أن هذا الانخفاض يعد ضئيلا للغاية عند التعامل معه كنسبة مئوية (أقل من 1%) فإنه يمثل نقطة تحول هامة بالنسبة للاقتصاد الصيني والعالمي على حد سواء؛ فالعاملون الصينيون هم الذين يقومون بتجميع أجهزة "آيفون" وهم الذي يخيطون الملابس للمستهلكين في مختلف أنحاء العالم. سوف تضطر بكين الآن للتعامل بجدية أكبر مع مناشدات الأسر الصينية وعلماء الاقتصاد وغيرهم للتخلي عن قاعدة الطفل الواحد الجائرة. 

لا أحد يعرف على وجه التحديد ماذا ستكون نتيجة انخفاض أعداد المواطنين في سن العمل وارتفاع أعداد كبار السن في الصين، لكن أغلب المحللين يبدون واثقين من أن هذا التغير الديمغرافي سوف تترتب عليه تحديات كبيرة. فعلى المستوى الأولي، سوف يضطر الشباب الصينيون ممن ليس لهم إخوة (هناك بعض الاستثناءات من قاعدة الطفل الواحد في الصين) إلى الإنفاق على ما يصل إلى أربعة أجداد ووالدين لا يزالون على قيد الحياة. أما بالنسبة للاقتصاد ككل فسوف يحدث تراجع ملحوظ في أعداد العاملين في إنتاج السلع والخدمات لشعب هو الأكثر تعدادا على وجه الأرض. وبالتالي فإن الصين ستعاني من نسخة أكثر ضخامة بكثير من المشكلة التي تواجهها اليابان وغيرها من الدول المتقدمة بسبب انخفاض معدلات المواليد: فائض في المعالين ونقص في العاملين.


أما بالنسبة لبقية دول العالم فإن التغيرات الديمغرافية التي تشهدها الصين لا تخلو من مزايا وسيئات. فتراجع أعداد القوى العاملة سوف يشجع العمال الصينيين على المطالبة بأجور أعلى والحصول عليها، وهذا يعني أن دولا مثل بنغلادش وفيتنام وكمبوديا والهند سوف تصبح أكثر قدرة على المنافسة بعمالها غير المهرة أو شبه المهرة في قطاعات النسيج والإلكترونيات وغيرها من مجالات التصنيع. كنت قد كتبت قبل ثلاث سنوات مقالا أوضحت فيه أن صناعة الألبسة في بنغلادش استفادت من زيادة الأجور في الصين. (لا شك في أن انتقال هذه الوظائف إلى دول أكثر فقرا سوف يترافق مع مجموعة من المشكلات مثل ضعف معايير السلامة وانتهاكات حقوق العمال). وفي الوقت نفسه، سوف تؤدي التغيرات التي تشهدها الصين إلى رفع أسعار بعض السلع الاستهلاكية في الولايات المتحدة وأوروبا.

والأمر كذلك، ماذا بوسع الصين أن تفعل؟

إن أي تغيير في سياسة الطفل الواحد في هذه المرحلة لن يترتب عليه آثار ملموسة على الفور. وحتى لو بدأ الأزواج الصينيون في إنجاب المزيد من الأطفال دفعة واحدة – ولدينا من الأسباب ما يدعو للاعتقاد أن الكثير منهم لا يحبذون فكرة إنجاب أكثر من طفل واحد – فإن هؤلاء المواليد الجدد لن يلتحقوا بسوق العمل قبل 20 عاما على الأقل. لو أن الصين تخلت عن هذه القاعدة قبل عدة سنوات لكان خيرا لها الآن.

وثمة حل آخر لمشكلة نقص العمالة المرتقبة لدى الصين يتمثل في الهجرة. كانت الصين على مدى التاريخ دولة مصدرة للعمال إلى بقية أنحاء العالم، لكنها إذ بدأت تشيخ يمكن أن تعكس هذا الوضع بحيث تستقبل مهاجرين من بعض الدول المجاورة مثل الهند والفلبين وإندونيسيا، والتي يمثل الشباب الأصغر سنا نسبة كبيرة من سكانها. لكن الصين، شأنها شأن اليابان، ربما تجد صعوبة في تقبل أو استيعاب أعداد كبيرة من الأجانب في ثناياها.

وهناك بالطبع أسباب أخلاقية واقتصادية كثيرة للنفور من قاعدة الطفل الواحد، والتي تمثل تعديا على الخصوصية بما يقود إلى صعوبات ومشاكل كثيرة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر حالات الإجهاض والتعقيم (من العقم). ويأمل بعض الخبراء في الشؤون الصينية، مثل صديقي نيك كريستوف، في أن يكون الرئيس الصيني المقبل "تشي جينبينغ" داعما للإصلاح ولسياسات أكثر ليبرالية. ولنأمل أن يكونوا محقين وأن يكون التخلص من قاعدة الطفل الواحد على رأس أولوياته.


ليست هناك تعليقات: