كلما قرأت عبارة "مجموعات شبابية" في الإعلام الرسمي شعرت أن وراء الأكمة ما وراءها، وكلما رأيت وسائل الإعلام العربية الرسمية وشبه الرسمية تهلل لنموذج فلسطيني معين أدركت أن في الأمر ما يريب.
ضجت وسائل الإعلام بالإنجاز التاريخي الذي تحقق عندما توجهت مجموعة شبابية إلى إحدى المناطق القريبة من القدس وأعلنت فيها عن إنشاء قرية جديدة باسم "باب الشمس" تيمنا برواية للكاتب إلياس خوري حملت العنوان نفسه. وقال أفراد المجموعة الشبابية إنهم لم يحصلوا على تصريح من أحد لإقامة هذه القرية التي تقع ضمن المخطط الشيطاني المسمى E1 والذي سيقضي على ما تبقى من أمل في مجرد رؤية القدس من بعيد، وهو لطمة كبرى لأصحاب مشروع التفاوض وحل الدولتين والشرعية الدولية.
الشرعية الدولية وردود الأفعال العالمية هي نقطة الارتكاز لمشروع باب الشمس والسبب واضح؛ فهؤلاء الشبان والشابات يعلمون علم اليقين أن المحتل لن يدعهم وشأنهم في قريتهم المزعومة، وحتى لو تركهم المحتل (ولو كنت مكانه لتركتهم) لأصابهم السأم بعد أيام قليلة وعاد كل واحد منهم إلى شؤونه وأعماله لسبب بسيط هو أن القرى لا تقام على هذا النحو المرتجل!
الهدف من هذا التحرك هو إذن لفت الأنظار، ولا شيء سوى لفت الأنظار، عن طريق السعي لحشد أكبر تغطية إعلامية ممكنة للحدث، وخاصة عندما يبدأ جنود الاحتلال بعملية "إخلاء" الموقع من ساكني الخيام فيه، والذين يأملون في أن يستخدم الجنود العنف معهم أثناء التصوير فتكون الفضيحة الكبرى: جنود الاحتلال الإسرائيلي ينكلون بالفلسطينيين على أرضهم المحتلة! وهنا نخرج من أرض الواقع إلى أرض الأحلام: يجتمع مجلس الأمن الدولي فيصدر قرار يلزم المحتل بالانسحاب الفوري من الأراضي التي احتلها (لا ندري إن كان القرار سيتعلق بباب الشمس وحدها أم بسائر الأرض المحتلة) وكعادته سيلتزم المحتل بقرارات الشرعية الدولية فينسحب مخذولا مدحورا وينتصر حل الدولتين ويعيش الشعبان في سلام ووفاق.
هذا، برأيي، هو مخطط جماعة باب الشمس، وهذا هو ما أردوا تحقيقه. وقد حاولت أن أضع هذا العمل الذي أقدموا عليه في سياق آخر فلم أستطع. وحتى بالأمس عندما قرر الناشطون العودة إلى قريتهم باستخدام حيلة ذكية (حفل زفاف وهمي) لم أجد في الأمر ما يستحق الوقوف عنده سوى حقيقة أنه موجه للإعلام، للإعلام فقط!
لو ألقى هؤلاء حجرا واحدا على العدو لقلنا: أنتم أبطالنا، نفديكم بالأرواح والمهج! ولو دعا هؤلاء إلى إخراج المحتل من قريتهم (قريتهم فحسب) بالقوة كما أخرجهم بالقوة لقلنا: ونحن معكم نشد أزركم! ولكنني لا أستطيع أن أفهم معنى أن يبني المرء قرية على أرضه المحتلة "دون تصريح من أحد"، ثم يأتي المحتل فيخرجه منها بالقوة، فيعود إليها، فيخرجه المحتل بالقوة من جديد، ثم يخرج على الملأ ليتحدث عن الانتصار الذي حققه بوصفه دليلا ناصعا على نجاح أسلوب المقاومة الشعبية السلمية (في مقابل فشل خيار المقاومة العسكرية المسلحة) وإذا كان هذا النجاح فما هو الفشل يا ترى؟!
وأخيرا، هذا هو حصاد معركة باب الشمس كما نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية: "أدان رئيس الوزراء سلام فياض اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مرةً أخرى عصر اليوم الثلاثاء، لقرية باب الشمس واعتقال 21 من سكانها، ومن ضمنهم المناضل محمد الخطيب.
واعتبر فياض أن هذا الاعتداء يشكل تمادياً خطيراً في الانتهاكات الإسرائيلية ضد شعبنا وحقه الطبيعي في البقاء على أرضه.
وحذر من مغبة هذه الممارسات العدوانية الإسرائيلية ضد شعبنا وأهالي قرية باب الشمس، داعياً المجتمع الدولي وخاصةً الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والمفوض السامي لحقوق الإنسان وكافة المؤسسات الحقوقية الدولية لتحمل مسؤولياتهم السياسية والقانونية والأخلاقية في وقف العدوانية الإسرائيلية المُتصاعدة ضد شعبنا".
كم هو مخجل ما وصلنا إليه!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق