وصل استخدام الحبس الانفرادي في السجون ومراكز الاحتجاز في الولايات المتحدة إلى مستوى يتجاوز كل حدود المنطق والنزاهة، حيث ذكر تقرير أصدرته الحكومة الاتحادية في الشهر الماضي أن أجهزة وكالة الهجرة والجمارك الأمريكية تحتجز بشكل روتيني مئات المهاجرين في زنازين انفرادية على الرغم من كونهم معتقلين على خلفية دعاوى مدنية. وقد أبرز هذا الخبر إصرار الولايات المتحدة على معاقبة عشرات الآلاف من المساجين – ومنهم من لا علاقة له بالعنف أصلا – باستخدام إجراء يعد شكلا من أشكال التعذيب في أغلب دول العالم.
يقول عضو مجلس الشيوخ جون ماكين إن الحبس الانفرادي "يحطم المعنويات ويضعف المقاومة بشكل أكثر فعالية من أي وسيلة أخرى لإساءة المعاملة". كما أن العزل لفترات طويلة يتسبب في تلف الدماغ، ولهذا السبب توصلت المحكمة العليا الأمريكية في عام 1890 إلى أنه يقود إلى الجنون والانتحار لدى بعض المساجين "بينما أولئك الذين تمكنوا من الصمود لم يتم إصلاحهم عموما، وفي معظم الحالات لم يستعيدوا من نشاطهم الذهني ما يكفي لتقديم أي خدمة للمجتمع في المستقبل".
من الصعب تقدير عدد المساجين المحتجزين في الحبس الانفرادي داخل الولايات المتحدة. فقد ذكرت الحكومة الاتحادية أن أكثر من 81.000 سجين كانوا محتجزين داخل "وحدات إقامة مغلقة" في سجون الولايات والمعتقلات الاتحادية خلال عام 2005. وهذا العدد لا يشمل السجناء المحتجزين داخل السجون المحلية أو مراكز احتجاز المهاجرين (لا يوجد إحصاء أحدث من هذا لغاية الآن).
تملك إدارات السجون صلاحيات واسعة لنقل المحتجزين لديها إلى العزل الانفرادي لأسباب تتراوح بين السلوك العنيف والإهانات اللفظية، ويتم عزل بعض السجناء لأغراض وقائية فحسب. خلال الحبس الانفرادي يقضي السجين بمفرده 23 ساعة يوميا داخل الزنزانة، ويحصل على وجبات الطعام من خلال فتحة في الباب. وفي الأغلب يقضي السجين الساعة المتبقية من اليوم في ممارسة بعض التمرينات الرياضية بمفرده داخل مكان معزول لا يزيد حجمه كثيرا على حجم الزنزانة.
أما الفوائد التي يجنيها المجتمع من هذه العقوبة فهي لا تزال غير واضحة. إذ بالإضافة إلى الضغط النفسي الهائل الذي يعاني منه السجناء المعزولون، تعد زنازين الحبس الانفرادي مصدر ضغط على الموازنة لأنها أكثر كلفة وتتطلب تعيين المزيد من الحراس. وفي هذا الصدد لجأت ولاية ميسيسيبي إلى تقليص عدد السجناء الخاضعين للحبس الانفرادي لفترات طويلة من 1.300 سجين عام 2007 إلى 300 سجين فقط في الوقت الحالي، ما أدى إلى توفير 5 ملايين دولار سنويا دون زيادة مستوى العنف داخل السجون.
يقول نائب مفوض إدارة السجون لشؤون المؤسسات في ولاية ميسيسيبي إيميت سباركمان: "لقد كنا نعتقد أن عزل بعض السجناء لمدة 23 ساعة يوميا سوف يجعلنا أكثر أمانا، لكننا في ميسيسيبي اكتشفنا أن هذا ليس صحيحا بالضرورة".
وبدأت بعض الولايات الأخرى بالتعبير عن شكوكها حيال جدوى الحبس الانفرادي، حيث شرعت إدارة السجون في ولاية واشنطن بتقليص القيود المفروضة على المساجين من خلال منحهم المزيد من الوقت خارج الزنازين المعزولة لتطوير أنفسهم عبر حضور الحصص الدراسية وممارسة التمرينات الرياضية.
وكانت معظم الدول الأوروبية قد تخلت عن هذا الأسلوب بصورة نهائية، حيث ينص القانون الألماني على حظر الحبس الانفرادي إلا إذا كان البديل الوحيد، وعندئذ فإن مدة الحبس لا تتجاوز ثلاثة شهور في السنة الواحدة، ولا يجوز تمديد هذه المدة إلا بموافقة السلطات العليا.
على السجون الأمريكية أن تحذو حذو نظيرتها الأوروبية في هذا الصدد. ولنبدأ بالمساجين من ذوي الأمراض العقلية بوصفهم الأقل قدرة على تحمل الحبس الانفرادي، فهؤلاء ينبغي ألا يتعرضوا لهذا النوع من العقاب إطلاقا. وإذا بات اتخاذ هذا الإجراء ضروريا لا محالة، من أجل حماية السجين من الآخرين أو الآخرين منه، فينبغي تطبيقه بالحدود الدنيا فحسب بحيث تكون فترات العقوبة قصيرة مع السماح للمساجين بممارسة ما يكفي من التفاعل الاجتماعي للمحافظة على إنسانيتهم. لا يجوز إطلاق سراح السجين من العزل الانفرادي إلى خارج السجن مباشرة، لأن أبسط المتطلبات الاجتماعية سوف تبدو في نظرهم من المستحيلات.
يمثل الحبس الانفرادي بطبيعته إساءة للإنسانية، ويجب ألا يستخدم إلا كملجأ أخير لمعاقبة المجرمين الذين يتصفون بالعنف والخطورة. وبالتأكيد يجب ألا يستخدم في احتجاز المهاجرين الذين لا يملكون الوثائق اللازمة أو الآلاف ممن تم احتجازهم على خلفية دعاوى لا علاقة لها بالعنف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق