جون سفاكياناكيس
ماذا سيجني المستثمرون من انتقال السلطة في مصر؟
تحتاج الأعمال في العالم إلى الموثوقية والمصداقية لحماية رؤوس الأموال. إن بوسع الجيش أن يمنح شعورا بالأمن والأمان داخل الدولة، لكن على الحكومات أن تخلق الثقة في النظام بأفعالها.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة كانت حليفة مصر فقد فشلت في تحقيق أي تغير اقتصادي ذي معنى في مصر منذ الثمانينيات، حيث ساعد استمرار المساعدات الأمريكية لعقود طويلة في إيجاد طبقة طفيلية من المنتفعين واقتصاد يحتاج إلى اكتشاف طرق جديدة لإنعاش محركات نموه.
كيف يعقل أن دولة مثل تركيا يقل عدد سكانها عن عدد سكان مصر بينما يبلغ ناتجها القومي الإجمالي أربعة أضعاف نظيره المصري؟ إن الإجابة تكمن في العوائق الخمسة التي يتعين على النظام الجديد في القاهرة أن يزيلها فورا.
أولا، ينبغي وضع حدود واضحة للرأسمالية القائمة على المحسوبية التي حددت العلاقات داخل دولة الأعمال منذ مطلع السبعينيات وزادت قوتها إبان حكم مبارك. لقد تفشت المحسوبية في عهده لدرجة أن من يتشدقون الآن بالقيم الديمقراطية من رجال الأعمال كانوا أنفسهم يتمتعون بدعم الرئيس السابق. على النظام الجديد أن يمتنع عن إطلاق حملة تطهير تستهدف ذات العناصر التي تعتمد عليها البلاد لتحقيق الانتعاش الاقتصادي المأمول.
العدالة للجميع
استغرقت عملية إزالة جذور الفساد وقتا طويلا بعد رحيل فرديناند ماركوس في الفلبين والرئيس سوهارتو في إندونيسيا. إن إحضار الجميع للوقوف أمام العدالة ليس عملا سهلا لأن المحسوبية لا تنطوي عادة على انتهاك أي قانون. على الحكومة أن توضح حدود الدولة وفقا لمتطلبات المحتجين.
التحدي الثاني هو التوجه الاقتصادي لمصر. لا بد من تعزيز الروح الاستثمارية. على البنوك أن تدعم هذه الجهود وتخفض رؤوس الأموال المخصصة للمؤسسات الكبيرة أو العريقة وتضخ المزيد من الأموال للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. من الواضح أن السياحة هي الميزة الكبرى لدى مصر وكذلك الخدمات وبعض الصناعات. يمكن للدولة أن تستفيد من هذه القطاعات وتشرع في زيادة الفرص المتاحة أمام المستثمرين الصغار لإقامة استثمارات جديدة في قطاع السياحة.
التحدي الثالث الذي تواجهه مصر هو نمو الوظائف، حيث تحتاج البلاد إلى ما بين 650,000 و700,000 وظيفة جديدة في كل عام لكنها لا توفر إلا نصف هذا الرقم بالكاد. وحتى مع تسارع النمو الاقتصادي، ظل القطاع الخاص عاجزا عن توفير ما يكفي من فرص العمل. ويعاني قطاع العمل في مصر من انعدام التوازن بين الطلب وما هو معروض من كفاءات، وتتفشى البطالة الجزئية في البلاد ويتزايد انتشار ظاهرة العمالة الفقيرة فيها.
مهمة مستحيلة
إن إيجاد عدد كاف من الوظائف خلال المدى القصير-إلى المتوسط يعتبر أمرا شبه مستحيل، لأنه سيتطلب نمو الاقتصاد بنسبة 11% سنويا بما يضمن توظيف العاطلين عن العمل حاليا والقادمين الجدد إلى سوق العمل أيضا. لقد نما الاقتصاد المصري خلال السنوات القليلة الماضية بنسب تراوحت بين 5% و7% لكن هذا النمو لم ينعكس على معظم السكان، بل على العكس ازدادت الفجوة في الدخول وتعاظم الشعور بغياب العدالة أكثر من ذي قبل.
أما التحدي الرابع فهو توزيع الدخل. على المجتمع أن يدرك أن بناء اقتصاد سليم هو أمر أصعب بكثير من الإطاحة برأس النظام. ينبغي معالجة قضية التضخم، وخاصة في أسعار الغذاء، لأنها تصيب المواطنين ذوي الدخول المنخفضة. من المذهل حقا أن نرى أسعار الغذاء تقفز بنسبة 18% في بلد تساهم الزراعة بنسبة كبيرة من نشاطه الاقتصادي.
عدالة التوزيع
لم يعد معظم المصريين يطيقون الضغوط التضخمية التي جعلت دخولهم الحقيقية تتآكل بشدة. وفي الوقت نفسه، تضاعف تركيز رأس المال في يد أغنى 20% من الشعب مما أدى إلى تقلص الطبقة الوسطى. سوف تستغرق إعادة توزيع الثروة بعض الوقت.
التحدي الخامس هو البيروقراطية ونموها السريع. في العام 1989 ألقى حسني مبارك خطابا قال فيه إن البيروقراطية في مصر "تسعى لأن تجعل من السهل صعبا ومن الممكن مستحيلا". إن بيروقراطية الإجراءات وتضارب الصلاحيات بين الوزارات المختلفة هي مشكلات هيكلية لا تجد لها حلولا سريعة.
عندما انهار جدار برلين في العام 1989 أبدى الكثير من الناس تفاؤلا كبيرا، لكن القليلين يذكرون أن ألمانيا، بعد انتهاء اللحظة التاريخية، دفعت ثمنا باهظا لوحدتها. ومصر، في حالتنا هذه، لا تملك شطرا غنيا ينتظر الوحدة.
وفوق كل ذلك، تحتاج مصر إلى شخصية شبيهة بمانديلا تستطيع أن توحد البلاد وتمضي بها قدما إلى الأمام بكل صبر وتؤدة. وحتى لو توفر مثل هذا القائد، رغم أن هذا لا يبدو قريبا لغاية الآن، فإن الرحلة لن تكون سهلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق