الجمعة، يونيو 10، 2011

في ألمانيا: الخضار هي العدو الجديد


ماتياس بوليتيكي (شاعر وروائي ألماني)
بلومبيرغ

إن الوضع خطير، جد خطير. وفي الوقت نفسه فإن كل شيء واضح: كما في جميع الكوارث المحلية، يتصرف المسؤولون في خضم أزمة تفشي بكتيريا أيكولاي في الخضار الألمانية بطريقة مسرحية سخيفة. إننا نعيش كرنفالا بائسا من انعدام الكفاءة المقترن بالكثير من الجدية، كما أن وسائل الإعلام الإخبارية تحاول فوق كل ذلك أن تثبت وجودها.

يتحفنا المختصون بتحليلاتهم على مدار الساعة، ونحن مستعدون لتصديق كل ما يقولون. نحن مجرد مبتدئين نستمر في تجاذب أطراف الحديث: بعد أن كنا نتبادل بعض الكلمات عن حالة الطقس أصبحنا الآن ننخرط في حوارات معمقة حول الوباء، حتى في اللقاءات العشوائية.


وليس من غير المثير أن نصغي لما يعايشه إخوتنا في الإنسانية هذه الأيام. هل كنت أتوقع أن أظل بمنأى عن حالة الذعر التي تبثها وسائل الإعلام الإخبارية؟ أنا أعيش في هامبورغ، أي في وسط المعمعة. والمشتبه بهم الرئيسيون موجودون بيننا: الخيار، والبندورة (الطماطم)، والفاصوليا المبرعمة؛ غالبا ما يتواجدون في السوق الزراعية الأسبوعية حيث تشتري زوجتي منهم الكثير. هل بات لزاما علينا الآن أن نتناول البندورة المستوردة من نيوزيلندة، أو البسكويت بالفواكه المجففة؟

عندها، أتصور نفسي في وقت الظهيرة في أحد المطاعم التركية أطلب وجبة من الكباب، فيسألني النادل: "بجميع المكونات"؟ أومئ له بالإيجاب دون تفكير؛ أشاهد الحيرة ترتسم على محياه بينما يضع الخيار والبندورة مع اللحم والبصل، بينما يهتف شخص واقف إلى جواري:" واو! هل تريد أن تسممنا؟"

هذا الشخص ضخم الجثة، شبه عار ويضع وشما كبيرا. لحسن الحظ كان يخاطب التركي خلف طاولة الحساب، وقد فهم هذا الأخير مغزى كلامه على الفور.

إنه كبابي أنا!
قبل أن أرد بأي شيء – لأن الكباب كبابي أولا وأخيرا – يصدر الشاب الضخم أوامره بنزع كل قطع الخيار والبندورة من كبابي. أنظر إليه وأبتسم بامتنان. لا يعيرني الشاب أي اهتمام، بل يثني على العامل ثم يطلب كبابا لنفسه بكامل المكونات "بما في ذلك الخيار والبندورة – ما رأيك بذلك؟"


في المرة القادمة سوف أذهب إلى إحدى العربات التي تبيع الوجبات السريعة، حيث لا خضار بتاتا. نصف دجاجة، كرات اللحم، شرائح البرغر. لقد أصبح اللحم عندي بديلا عن الخضار، على الأقل حتى تتضح الأمور. أما زميلي في ممارسة الركض فقد دخل حالة تقشف طويل سيكتفي خلالها بالأطعمة المجمدة لكي يبقى بأمان.

وفي مطاعم مكدونالدز، باتت الغالبية العظمى من الزبائن تطلب ساندويتشات خالية من الخضار. أنا لا أفهم ما يجري. كل يوم تخرج أخبار جديدة، ثم يتم التراجع عنها، ثم تعود من جديد، لتثير زوبعة من الهستيريا.

شك متبادل على الغداء
أعترف لصديقي أنني لم أعد أعلم إن كان بمقدوري أن أتناول غدائي في المطعم التايلندي الذي أقصده، لأنهم يستخدمون الكثير من البراعم في أطباقهم.

يقول صديقي:"لكنهم يسخنونها".

"لكن الحرارة لا تزيد على 150 أو 160 درجة فقط!"

"يا لك من مخنث! اهدأ يا رجل. لن يحدث شيء".

والآن يأتي دوري في تصنع الدهشة. هذا الشاب، الذي أمارس الركض معه دائما، هل أعرفه حقا؟

وفي نهاية اليوم أجد أن زوجتي نفسها تفاجئني، حتى بعد أن قضينا معا تسعة عشر عاما رائعة! لقد اشترت بعض الموزاريلا والبندورة للعشاء؛ وبينما كانت تغسل البندورة توقفت فجأة وقالت، مخاطبة نفسها وليست مخاطبة إياي: "ربما لن أفعل".

من الواضح أنها تعيش صراعا داخليا. فهي تحب الموزاريلا بالبندورة، تماما كما تحب البارميزان بالجرجير (هاتان الوجبتان في عرفي مخصصتان للنساء).

وأخيرا قررت :"لن أعدها" واستدارت تجاهي بحزم. أما ما حصل بعد ذلك فهو أشبه بثورة عارمة، أو نقطة تحول تاريخي: "لن أعد الموزاريلا بالبندورة بعد اليوم أبدا".

أبدا؟ لكن ما سيحدث بعد ذلك؟ ما الذي سيدخل دائرة الشك الآن؟ الفلفل ربما؟ هل علينا أن نكتفي بتناول بعض الحبوب على العشاء؟ أو هل يتعين علينا أن نغلي ونقشر كل شيء دون استثناء؟ كما لو أن وسط أوروبا تحول إلى فجأة إلى منطقة استوائية أو إلى إحدى دول العالم الثالث؟

الإذن بالأكل
هل سيكون مصير الوعي الكبير الذي أصبحنا نحمله، والذي يتمحور حول الغذاء الصحي والأطعمة العضوية، إلى زوال تدريجي؟ ربما سوف يكون بوسعنا أن نعود لتناول الدهون على نطاق واسع – دون أي حرج- لأسباب صحية.

إنه مجال خصب لأصحاب نظريات المؤامرة. وهو أيضا مساحة واسعة لذوي الشخصيات المتحررة، سواء أكانوا ممن يضعون وشما أم لا، ليسخروا من الآخرين. وفي جميع الأحوال سوف يكون من الصعب على الناس أن يرفعوا رؤوسهم عاليا عندما يذهبون لتناول وجبة من الطعام.


ليست هناك تعليقات: