الخميس، يونيو 02، 2011

عندما يجف النيل



لستر براون
نيويورك تايمز

ثمة زخم جديد بانتظار أفريقيا؛ فمع ارتفاع أسعار الغذاء عالميا وخفض المنتجين صادراتهم من السلع الغذائية، تنتاب الدول المستوردة للقمح حالة من الهلع. فقد اتجهت الدول ذات الموارد الوفيرة مثل المملكة العربية السعودية وكوريا الجنوبية والصين والهند إلى شراء مساحات شاسعة من الأرض في سهول القارة الأفريقية الخصبة واستغلالها في إنتاج القمح والأرز والذرة لاستهلاكها المحلي.

وقد بلغت مساحات بعض هذه الأراضي المشتراة أرقاما هائلة. فقد اشترت كوريا الجنوبية، التي تستورد 70% من الحبوب التي تستهلكها، ما مساحته 1.7 مليون هكتار من الأراضي في السودان لزراعة القمح، وهذه المساحة تعادل ضعف مساحة ولاية رود آيلاند الأمريكية.
وفي إثيوبيا، استأجرت شركة سعودية 25,000 هكتار لزراعة الأرز فيها، وهذه المساحة قابلة للزيادة. كذلك استأجرت الهند بضع مئات الآلاف من الهكتارات هناك لزراعة الذرة والأرز وغيرهما من المحاصيل. أما الصين فهي تشتري في الوقت الحاضر أراضي في دول مثل الكونغو وزامبيا لإنتاج الوقود الحيوي.


إن الاستحواذ على الأراضي بهذه الصورة يؤدي إلى انخفاض الإنتاج الغذائي في الدول الإفريقية التي تتهددها المجاعة ويثير غضب المزارعين المحليين فيها وهم يشاهدون حكوماتهم تبيع أراضي أجدادهم للأجانب. وهو أيضا يمثل تهديدا مباشرا لأحدث ديمقراطيات أفريقيا: مصر.

مصر دولة من مستهلكي الخبز: يستهلك مواطنوها 18 مليون طن من القمح سنويا، وأكثر من نصف هذه الكمية مستورد من الخارج. بل إن مصر اليوم هي أكبر مستورد للقمح في العالم أجمع، والخبز المدعوم – الذي تخصص له الحكومة 2 مليار دولار كل عام – تعتمد عليه قرابة 60% من الأسر المصرية وتعتبره حقا مكتسبا لها.

وبينما تسعى مصر لتثبيت دعائم الديمقراطية بعد رحيل الرئيس حسني مبارك، فإن بيع وتأجير الأراضي في الجنوب يهدد قدرتها على وضع الخبز على المائدة لأن كل الحبوب التي تستهلكها مصر إما مستوردة أو منتجة باستخدام مياه من النيل، والذي يمتد مجراه باتجاه الشمال عبر إثيوبيا والسودان قبل الوصول إلى مصر. (بما أن الهطول المطري في مصر شحيح جدا أو معدوم، فإن الزراعة فيها تعتمد بالكامل على مياه النيل).

ولسوء حظ مصر فإن الدولتين الأكثر استهدافا في عمليات الاستحواذ هما إثيوبيا والسودان بالذات، واللتان تمثلان معا ثلثي حوض النيل. وقد بلغ الطلب على مياه النهر حدا لم نعد نرى معه إلا القليل من الماء في مصبه عند البحر المتوسط.

وبموجب اتفاقية مياه النيل، الموقعة عام 1959 بين مصر والسودان، تحصل مصر على 75% من المياه المتدفقة في النهر بينما تحصل السودان على 25% ولا تنال إثيوبيا شيئا. هذا الوضع آخذ في التغير بسرعة مع استحواذ الحكومات والشركات الأجنبية على مساحات ضخمة من الأراضي المروية على امتداد أعالي النيل. وبينما توصف هذه الصفقات بأنها استحواذ على الأرض فإنها في الواقع تتضمن أيضا استحواذا على المياه.


والآن، وإذ يحتدم التنافس على مياه النيل، يتعين على القاهرة أن تتعامل مع العديد من الحكومات والمؤسسات التي لم تكن طرفا في اتفاقية العام 1959. كما أن إثيوبيا – التي لم تكن يوما من المتحمسين لهذه الاتفاقية – كانت قد أعلنت عن خطط لتشييد سد هيدروليكي ضخم على أحد روافد النيل داخل أراضيها، وهذا يعني المزيد من الخسائر المائية لمصر.

وبما أن إنتاجية محاصيل القمح في مصر تعتبر من بين الأعلى في العالم، فإنه ليس ثمة الكثير من الأمل في زيادة هذه الإنتاجية. ويعتقد أن عدد سكان مصر البالغ 81 مليون نسمة سوف يبلغ 101 مليون بحلول العام 2025، وبالتالي فإن توفير الغذاء والماء الكافيين يعتبر تحديا كبيرا.

ومن المحتمل أن يكون سوء الطالع الذي ابتليت به مصر جزءا من سيناريو أكبر حجما وأكثر سوءا، حيث أن جارتاها الجنوبيتين – السودان التي يبلغ عدد سكانها 44 مليون نسمة وإثيوبيا التي يقطنها 83 مليون نسمة – تنموان بسرعة أكبر، وبالتالي تزداد حاجتهما للمزيد من الماء والغذاء. وتظهر توقعات الأمم المتحدة أن عدد سكان هذه الدول الثلاث مجتمعة سوف يرتفع من 208 ملايين نسمة في الوقت الحالي إلى 272 مليون نسمة عام 2025 و360 مليون نسمة بحلول العام 2050.

إن تصاعد الطلب على المياه، مدفوعا بزيادة عدد السكان والاستحواذات الأجنبية على الأراضي والمياه، سوف يؤدي إلى استنزاف الموارد الطبيعية المحدودة للنيل. ومن أجل تجنب وقوع صراعات مسلحة على المياه ينبغي اتباع ثلاث خطوات انتقالية. أولا، يتوجب على الحكومات أن تواجه مسألة الزيادة السكانية مباشرة من خلال تمكين جميع النساء من الحصول على خدمات التخطيط الأسري وكذلك توفير التعليم لجميع الفتيات في المنطقة. ثانيا، على دول المنطقة أن تستخدم أساليب للري أكثر اقتصادا في استهلاك الماء وعليها أن تركز على زراعة المحاصيل التي تحتاج لكميات قليلة من الماء.

أخيرا، وفي إطار الحرص على السلام والتعاون التنموي في المستقبل، ينبغي على دول حوض النيل أن تتفق على منع استحواذ الحكومات والشركات الأجنبية على أراضيها. وبما أنه لا توجد أي سوابق تاريخية لهذا المنع فيمكن لهذه الدول أن تستعين بمساعدة بعض المؤسسات الدولية في هذا الصدد كما حصل في العام 1960 عندما ساهم البنك الدولي في التوصل إلى معاهدة نهر السند بين الهند وباكستان.

ليس في الخطوات السابق ذكرها ما يسهل تنفيذه لكن تنفيذها ضروري جدا؛ وإلا فإن ارتفاع أسعار الخبز يمكن أن يقوض ثورة الأمل في مصر، كما أن الصراع على مياه النيل يمكن أن يصبح مميتا.



لستر براون هو رئيس معهد سياسات الأرض ومؤلف كتاب “عالم على الحافة: كيفية منع انهيار البيئة والاقتصاد”

ليست هناك تعليقات: