أعلن وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا مؤخرا
أن الولايات المتحدة تأمل في إنهاء عملياتها الحربية في أفغانستان في العام 2013
كما فعلت في العراق العام الماضي. أما في خليج غوانتانامو فإن الولايات المتحدة
تستمر في احتجاز المعتقلين "ما دامت العمليات الحربية قائمة".
والحقيقة أن "إنهاء" القتال في
أفغانستان والعراق ليس له أي أثر فيما يبدو على إنهاء احتجاز المعتقلين. وبما أن
المفهوم التقليدي لإنهاء الحروب يقتضي سحب الصلاحيات الاستثنائية التي يتمتع بها
الرئيس الأمريكي خلال الحرب، فإن اقتراب الحرب من نهايتها في أفغانستان والعراق
ينبغي أن يقود إلى تقليص صلاحياته تلك- بما في ذلك الأساس القانوني لاحتجاز
الأعداء.
غير أن ثمة انفصالا اليوم بين الحربين
المنتهيتين وبين حالة "الحرب" التي ما زالت تستخدم لتبرير استمرار
احتجاز المعتقلين. كانت حرب أفغانستان في الأساس جزءا من "الحرب على
الإرهاب" التي أطلقتها إدارة الرئيس بوش، وظلت قائمة ضمن هذا الإطار البلاغي
إلى أن بدأت الانتقادات تنهال عليها من كل صوب لأن الحرب على الإرهاب ليس لها حد
زماني أو مكاني، ومن غير المتوقع أن تنتهي هذه الحرب أبدا.
عندما تولى الرئيس أوباما منصبه أعلن تخليه
عن مفهوم "الحرب على الإرهاب" وفضل التركيز على العراق وأفغانستان
وحدهما، فأصبحت الحرب أكثر تقبلا وأكثر تقليدية، وباتت حربا واضحة المعالم تجري
عملياتها العسكرية في مناطق محددة وبالتالي فإنها تنتهي فور هزيمة العدو على أرضه.
لكن الأمر لم يكن بهذه البساطة، فقد تسلل مقاتلو القاعدة عبر الحدود الأفغانية إلى
باكستان وفرضوا بذلك توسيع نطاق النزاع.
وبالطبع لم يسبق أن كان إنهاء الحرب قرارا
سهلا من قبل. ففي شبه الجزيرة الكورية، توقف القتال بموجب اتفاقية للهدنة تم
توقيعها عام 1953، لكن الأطراف المتحاربة لم توقع معاهدة سلام حتى يومنا هذا، أي
أن تلك الحرب ما زالت قائمة حتى هذه اللحظة. ما زال الجنود الأمريكيون يرابطون في
كوريا الجنوبية لأن جارتها الشمالية ما انفكت توجه لها التهديد تلو الآخر. ولو أن
المنطق القائم اليوم كان مطبقا هناك لبقي أسرى الحرب الكوريين قابعين في سجونهم
حتى الآن.
وخلال حرب فيتنام نجحت مجموعات من جنود
فيتنام الشمالية بعبور الحدود إلى كمبوديا، لكن بمجرد انتهاء الحرب لم يعد ثمة سبب
لبقاء الفيتناميين الشماليين في الأسر، بالرغم من أن الحرب الباردة ضد الشيوعية
كانت في أوجها.
لقد كانت الحروب الأمريكية المعاصرة من النوع
الذي يصعب إنهاؤه، لكن رؤساءنا بذلوا كل ما بوسعهم لإقناعنا بأن أهداف تلك الحروب
قد تحققت. وخير مثال على هذا ما فعله الرئيس جورج بوش الابن عندما أعلن تحقيق
النصر في العراق في مايو 2003 على متن حاملة الطائرات أبراهام لنكولن وفوقه لافتة
ضخمة مكتوب عليها "المهمة أنجزت" – وذلك بالرغم من أن إنجاز المهمة كان
لا يزال بعيد المنال.
وكانت للرئيس أوباما أيضا لحظة مماثلة عندما
أعلن "انتهاء العمليات الحربية في العراق" في أغسطس 2010. وكما فعل
سابقه بوش، حرص أوباما على ظهوره الإعلاني غداة الإعلان، وأخذ مراسلو وكالات
الأنباء يتحدثون بانفعال كبير عن تلك اللحظة التاريخية عندما بدأت القوات
الأمريكية بعبور الحدود متوجهة إلى الكويت. وفي الوقت نفسه، كانت الولايات المتحدة
تحتفظ بقرابة 50,000 جندي في العراق، وسارعت قيادة الجيش إلى التأكيد بأن
"النزاع" قد انتهى مع وجود بعض "حالات النزاع"، وبالتالي فإن
الجنود الذي سيبقون في العراق سوف يحصلون على مكافآت مالية إضافية مقابل الخدمة في
أراض معادية. والآن أصبح "الإنهاء" الأول لحرب العراق طي النسيان، حيث غطى
عليه الانسحاب الذي تم في ديسمبر 2011 والذي كان أكبر كثافة مما كان مخططا أصلا.
أما "إنهاء العمليات الحربية" في
أفغانستان، والمقرر عام 2013، فيمكن أن يتحول هو الآخر إلى مجرد عرض إعلامي آخر. لكنه
في أسوأ الظروف يجب أن يجبر الأمريكيين على مواجهة التناقض الكامن في إنهاء حربين
اثنتين مع الإبقاء على استمرارية حرب ثالثة غامضة لانهائية بغرض تبرير استمرار اعتقال
الأسرى.
وبالطبع فإن لدى محامي الإدارة الأمريكية الجواب:
لقد حصل الرئيس، بموجب "تفويض استخدام القوة" بعد أحداث سبتمبر 2001،
على صلاحية اتخاذ القرارات لمجابهة القاعدة وداعميها.
وقد أعاد أوباما هذا التعريف الفضفاض للحرب
إلى الواجهة في يناير 2010 عندما أعلن أن الولايات المتحدة "في حالة حرب ضد
القاعدة"، مما أدى إلى توسيع نطاق مفهوم الحرب كما يراها أوباما عبر فك
ارتباطها بالجغرافيا. وبهذا أصبحت الحرب تشمل جميع الإرهابيين من خارج العراق
وأفغانستان مثل أنور العولقي، وهو عالم دين من مواليد الولايات المتحدة كان مرتبطا
بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وقد لقي مصرعه في غارة شنتها طائرة
أمريكية دون طيار على اليمن في سبتمبر الماضي.
وعلى غرار نسخة إدارة بوش للحرب على الإرهاب،
أتاحت لنا هذه الحرب ضد القاعدة إمكانية تتبع أعدائنا أينما ذهبوا، كما أتاحت لنا
إمكانية الاستمرار في تصوير الإرهابيين على أنهم محاربون يمكن اعتقالهم دون توجيه
أي اتهام لهم ما دامت تهديدات القاعدة قائمة.
إن الرئيس أوباما يحاول أن يمسك بالعصا من
المنتصف، يريد أن يقول إن الحربين اللتين خاضتهما بلاده ضد العراق وأفغانستان قد
انتهتا بينما يخطط وراء الكواليس لحرب طويلة الأجل ضد إرهابيي القاعدة، أي أن
الرجل الذي تعهد بإنهاء حروب أميركا هو الذي يعمل الآن، بدلا من ذلك، على وضع
الأساس لمعركة لا نهائية.
*أستاذة
القانون والتاريخ وعلم السياسة في جامعة جنوب كاليفورنيا، مؤلفة كتاب "زمن
الحرب: الفكرة، وتاريخها، وآثارها".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق