الأربعاء، فبراير 29، 2012

المكتبات الصغيرة في خطر



ما مدى تقديرنا للكتب في هذه الأيام؟ هذا هو السؤال الذي سوف يجيب عنه الشعب السويسري في الاستفتاء الذي سيقام يوم 11 مارس، وتزدحم الشوارع بالملصقات التي تدعو المواطنين للمشاركة فيه.

السؤال المطروح في الاستفتاء بسيط للغاية: هي ينبغي إلزام المكتبات بتقاضي أسعار موحدة للكتب أم يجب السماح بتطبيق نظام السوق الحرة بحيث تستطيع سلاسل المكتبات والأسواق التجارية الكبرى بيع الكتب بأسعار مخفضة لا تستطيع المكتبات الصغرى والمستقلة تحملها؟

من المتوقع أن يشهد الاستفتاء مشاركة شعبية كبيرة نظرا لوجود موضوعات أخرى قيد الاستفتاء في اليوم نفسه، من بينها اقتراح يقضي بإصدار قانون يلزم كل مواطن بأخذ إجازة لمدة ستة أسابيع من كل عام وآخر يحدد عدد بيوت الإجازات في أي تجمع سكاني إلى 20 بالمائة من عدد الأسرة المتوفرة، وذلك بهدف منع تحول المنتجعات الفاخرة مثل سانت موريتز إلى مدن أشباح بسبب قيام الناس بشراء شاليهات الإجازات التي تبقى خاوية في غالبية أيام السنة.

ومن بين هذه القضايا تبدو قضية الكتب هي الأكثر إثارة للجدل والأكثر ظهورا على الملصقات، حيث يقوم مناصرو معسكر "لا" بتوزيع ملصقات حمراء تظهر فيها عثة تزحف من بين صفحات أحد الكتب وتقول "لا للأسعار الموحدة". أما الملصقات التي يوزعها مناصرو معسكر "نعم" فتظهر فيها فتاة صغيرة تشبه البطلة الأكثر شعبية في قصص الأطفال في سويسرا (هايدي) وهي ترفع بيدها اليسرى كتابا وتقول "نعم للكتاب".


لا بد أن يعلن كاتب هذه السطور عن اهتمامه بالموضوع. وبوصفي كاتبا نشر العديد من الكتب في سويسرا (نجحت سلسلة الروايات البوليسية الأخيرة "برونو" في الوصول إلى قائمة الكتب العشرة الأكثر مبيعا) ويقع مقر ناشر كتبه باللغة الألمانية في زيوريخ، فإنني لا أستطيع أن أكون موضوعيا إزاء هذه القضية. ففي زيارتي الأخيرة لزيوريخ قدمت قراءة في إحدى المكتبات ووقعت كتابا في مكتبة أخرى.

إن قربي من هذا الموضوع يمنحني القدرة على النظر للأمور بشكل أكثر وضوحا. وبما أن كتبي مترجمة إلى خمس عشرة لغة فإنني أملك بعض المعرفة عن كيفية إدارة الثقافات والشركات المختلفة لتجارة الكتب.

في ألمانيا، حيث تحقق مبيعات كتبي أرقاما كبيرة أيضا، هناك أسعار ثابتة وموحدة يلتزم بها جميع باعة الكتب، أي أن سلاسل المكتبات الكبرى مثل "ثاليا" تبيع الكتب بالأسعار نفسها التي تبيعها بها أصغر المكتبات، والنتيجة هي أنه في كل بلدة ألمانية صغيرة توجد مكتبة تلعب دور مركز ثقافي مصغر. تقوم هذه المكتبات بتنظيم قراءات لمؤلفي الكتب ومناقشات أدبية بشكل إبداعي جميل، ويترافق مع ذلك حضور الموسيقى والغناء وكؤوس النبيذ ومآدب العشاء في بعض الأحيان. إن ألمانيا هي جنة للكتاب.

بطل رواياتي هو شرطي فرنسي يقيم في إحدى بلدات إقليم بيريغورد، الذي يعرف بمائدته الشهية التي تضم أطباقها الكمأة وكبد الأوز والجبن ولحم البط وأنواع النبيذ المختلفة. لذا فقد أقمت هناك بعض أمسيات القراءة التي كان يتلوها تذوق النبيذ والأجبان الفرنسية، مصحوبة بموسيقى وأغان شعبية فرنسية ومآدب عشاء كانت حاضرة جميعا في كتبي.

ما يدهشني في كل ما ذكرت هو مدى حضور المكتبات والفعاليات التي تقيمها في المجتمعات المحلية، حيث يجتمع الناس من الفتيان الذين يملكون هواتف ذكية إلى الشيوخ المتقاعدين الذين يستخدمون المعينات السمعية ويدفعون رسم دخول لا يقل عن عشرة دولارات لحضور هذه الفعاليات ويقضون الوقت في الحديث عن الكتب والأدب. وهنا يتبين الدور الثقافي الكبير الذي يتمتع به بائعو الكتب في المجتمعات المحلية.

أما في الولايات المتحدة وبريطانيا، حيث تسود مفاهيم السوق الحرة ولا تفرض أي ضوابط على أسعار الكتب، فقد اختفت المكتبات الصغيرة والمستقلة على نطاق واسع (مع وجود استثناءات مميزة لا يقل فيها حضور فعاليات القراءة والاهتمام بالكتب عن مثيلاتها في ألمانيا).

وحتى بعض السلاسل الكبرى مثل برودرز، التي أدت أسعارها المخفضة إلى إفلاس عدد كبير من المكتبات الصغيرة، لم تسلم من الطوفان- حيث اضطرت لإغلاق أبوابها بعد سقوطها بفعل الضربات القاضية التي وجهتها لها القوى الأخرى في السوق، ففعلت بها الأسواق التجارية الكبيرة وأمازون والكتب الإلكترونية ما فعلته هي بالمكتبات الصغيرة.

خلال العام الماضي، قامت سلسلة تيسكو التجارية بإجراء تخفيض على أسعار نسخ أحدث كتب سلسلة هاري بوتر وباعت الواحدة منها بخمسة جنيهات (7.5 دولار)، بينما كانت المكتبات الصغيرة تدفع ضعف هذا المبلغ للناشر ثمنا للنسخة الواحدة. لم تستطع أي سلسلة أخرى منافسة هذا العرض من تيسكو. عندما يقول المدافعون عن السوق الحرة إن عدد أماكن بيع الكتب في بريطانيا قد ارتفع خلال الآونة الأخيرة فإنهم يقصدون بذلك المتاجر والأكشاك التي لا تبيع سوى الكتب الأكثر مبيعا وبعض الكتب الرائجة الأخرى، بينما لا نجد لديها التنوع الكبير في العناوين والموضوعات الذي يتوفر لدى المكتبات الصغيرة.

ربما تكون المكتبات الصغيرة في طريقها للزوال المحقق بفعل صعود أمازون والكتب الإلكترونية، لأن القانون المقترح في سويسرا لا يستطيع منع الناس من شراء الكتب من مواقع إلكترونية أجنبية، لكن تصفح الكتب على الإنترنت لا يماثل أبدا قضاء ساعة أو ساعتين في التجول داخل إحدى المكتبات الجيدة. وإذا كنت مثلي تحب القراءة داخل الحمام، فإن الكتب الإلكترونية لن تكون فكرة جيدة.

بطبيعة الحال، يفضل الناس دفع المبلغ الأقل إن أتيح لهم ذلك، ولا أحد ينكر أن الكتب في سويسرا وألمانيا غالية الثمن (هي أرخص قليلا في ألمانيا). لكن الكتب ليست شرائح بطاطا ولا زجاجات كاتشب. إنها مكونات بالغة الأهمية في حياتنا. أما الذين يهتمون بالسعر وحده فهم مثل شخصيات أوسكار وايلد الذين "يعرفون سعر كل شيء ولا يعرفون قيمة شيء".

لو كنت سويسريا، لعرفت كيف سأصوت.

ليست هناك تعليقات: