الأحد، يونيو 03، 2012

الرقابة الإلكترونية في الصين لها نظير في الولايات المتحدة



ما هو عكس حرية التعبير؟ إذا كانت إجابتك "الرقابة الاستبدادية" فأنت مصيب، لكنك أيضاً صاحب فكر قديم.

في عصر الإنترنت، لا يزيد مفهوم الرقابة على السماح بحرية التعبير على نحو جزئي مؤقت قبل أن يتم وقفها بالكامل بمجرد أن يقال ما فيه الكفاية. والدولة الرائدة في هذا المجال، كما هي العادة هذه الأيام عند الحديث عن الحكم غير الديمقراطي، هي الصين، حيث كشف موقع التدوين المصغر "سينا ويبو" خلال الأسبوع الماضي عن نموذج معدل للرقابة.

يحصل المستخدم في البداية على 80 نقطة، ثم يحذف المراقبون نقاطاً على كل مخالفة، ومن أبرز هذه المخالفات بالطبع، وهي المفضلة لدى المراقبين دوماً: انتقاد الحكومة. ويمكن أن يخسر المستخدم نقاطاً أيضاً بسبب نشر الشائعات (وكنت أحسب أن هذا هو الهدف من وجود الإنترنت) أو الترويج للطائفية (ويبدو أن هذا موجه نحو الحركة الروحانية المحظورة المسماة فالون غونغ). ولن يتوانى المراقبون عن حذف تعليقاتك إذا لجأت فيها إلى المجاز أو التورية كما كان البعض يفعل لتفادي الرقابة في الماضي. وإذا فرغ رصيدك من النقاط فسوف يتم فصلك من الخدمة.


لكن إذا كانت حرية التعبير تمثل تهديداً إلى هذه الدرجة، فلماذا لا تعمد القوى الحاكمة في الصين إلى مجرد إغلاق هذه المواقع لينتهي كل شيء؟ يكمن جزء من الإجابة في أن موقعاً مثل سينا ويبو، لديه أكثر من 324 مليون مستخدم، بات أكبر من أن ينهار، أو يمكن القول على الأقل إن جزءأ كبيراً من الحياة الصينية المعاصرة سوف يختفي بانهياره. إلا أن ثمة سبباً أكثر عمقاً يدعو الحكومة الصينية للسماح لهذه الملايين من الناس بالتدوين المصغر وهو أنها تجني من ذلك مكاسب كبيرة. الحزب الشيوعي الذي يحكم الصين اليوم ليس كالذي شهده الآباء ولا كالذي عرفه الأجداد. لقد انخرطت القيادة الصينية في عملية معقدة وخطرة تتمثل في محاولة نيل المزايا التي تتمتع بها الحكومات الديمقراطية دون أن تضطر لوضع نفسها أمام منافسين آخرين في الانتخابات. وحرية التعبير جزء أساسي من هذه التجربة.

تخفيف الضغط
من أكبر مزايا السماح للمواطنين ببث همومهم على الإنترنت أنه يتيح للمجتمع فرصة للتنفيس. وكان القاضي في محكمة العدل العليا الأمريكية وليام دوغلاس قد اعترف بهذه الأهمية الاستثنائية لحرية التعبير في انشقاقه الشهير عام 1951، عندما رفض قرار المحكمة بتثبيت إدانة 11 شيوعياً أمريكياً بتهمة نشر أفكار هدامة. كتب دوغلاس يقول: "إن بث الأفكار ينفس عن الضغط الذي يمكن أن يكون مدمراً". فإذا كان هذا التنفيس مفيداً في بلد ديمقراطي، فالأولى أن يكون كذلك أيضاً في بلد لا يشهد المحيط السياسي فيه أي نشاط.

ومن المزايا الأخرى لحرية التعبير المحدودة أنها تتيح للحكومة جمع معلومات عما يشغل المواطنين. لا تستطيع الحكومة الصينية الاعتماد على بيانات استطلاعات الرأي لأن هذه الاستطلاعات لا تجرى بحرية، وإلا فإنها ستشير إلى وجود معارضة كبيرة للحكومة. كما أن من المستحيل التجسس على 1.3 مليار إنسان في جميع الأوقات. وهنا يأتي دور مواقع التدوين المصغر، والتي تمثل "سجلاً قصيراً ومختصراً للزمن" كما قال هملت عن المسرح.

وبمجرد إفصاح مواقع التدوين المصغر عما يفكر به المواطنون، تستطيع الحكومة أن تتجاوب مع مشاغلهم، كما فعلت في الصيف الماضي بعد تدهور قطار زيجيانغ عندما قام رئيس الوزراء وين جياباو بزيارة خاصة للموقع في ردة فعل واضحة على الإحباط الشعبي من الصمت والتعتيم البيروقراطيين. التجاوب مع الرأي العام هو السمة المميزة للحكومة الخاضعة للمساءلة. وبغياب الانتخابات وكل ما تبرزه من توجهات، فإن قادة الصين بأمس الحاجة إلى استغلال كل فرصة ممكنة ليظهروا بمظهر من يتجاوب مع هموم المواطنين. ومن هذا المنطلق فإن إتاحة حرية التعبير بصورة محدودة ثم تدخل الحكومة للتجاوب مع الرأي العام تمثل إحدى الطرق الهامة التي يسعى الحزب الشيوعي الصيني من خلالها إلى تثبيت شرعيته.

معركة الوكلاء
يدرك الحزب يقيناً أن حرية التعبير يمكن أن تؤدي في النهاية إلى إسقاط الحكومة، ولذا فإنه يعمل على تجريب الحرية باعتدال، ويستخدم مؤسسات شبه خاصة مثل "سينا ويبو" وكيلاً عنه. أي أن قادة الصين يريدون، ببساطة، أن يجنوا ثمار حرية التعبير دون أن يدفعوا ثمنها الكامل. ربما يثير هذا دهشة المدافعين عن التعديل الأول في الدستور الأمريكي. فبالرغم من كل شيء، نشأ الأمريكيون على الاعتقاد بأن حرية التعبير شيء قائم بحد ذاته، وأن الحقيقة عظيمة وسوف تنتصر في النهاية.

غير أن ثمة سوابق تاريخية لما تمارسه الصين في مجال حرية التعبير: تاريخ حرية التعبير في إنجلترا والولايات المتحدة قبل المرحلة المعاصرة. فعندما تمت صياغة التعديل الأول للدستور الأمريكي لم يحقق هذا التعديل للأمريكيين قدراً كبيراً من الحرية كالذي يتمتعون به اليوم. كانت لغة التعديل، وهي مأخوذة من الأسلاف الإنجليز، موجهة في الأساس إلى ما كان يسمى القيود المسبقة، أي رقابة الحكومة على الكتب والصحف قبل أن تجد طريقها للنشر. وكما هي الحال في "سينا ويبو"، فإنك يمكن أن تتعرض للعقاب لمجرد أنك عبرت عن رأيك بحرية، ويمكن القبض عليك بتهمة التشهير والتحريض.

كان القانون آنذاك يعاقب - لا بد أنك خمنت ذلك - كل من ينتقد الحكومة، أو ينشر أخباراً كاذبة، أو يطعن في الدين. ووفقاً للعلامة القانوني الإنجليزي الشهير وليام بلاكستون، فقد كان ذلك "ضرورياً لحفظ السلم والنظام العام، ولحفظ الحكومة والدين". وظل ذلك الوضع قائماً في الولايات المتحدة حتى بعد إقرار الدستور، وظل قائماً على امتداد القرن الثامن عشر. أما المملكة المتحدة فلم تحذفه من كتبها إلا بحلول العام 2009.

أيها المراقبون: سجلوا ملاحظاتكم. بل دعوني أرجوكم ألا تفعلوا. أريد أن تبقى بحوزتي 80 نقطة لعلي أحتاجها يوماً.


*أستاذ القانون في جامعة هارفرد.

ليست هناك تعليقات: