الأحد، يونيو 10، 2012

ألمانيا، لا اليونان، هي التي يجب أن تغادر منطقة اليورو


كل الجدل القائم حول إيجابيات وسلبيات خروج اليونان من منطقة اليورو يتجاهل النقطة الجوهرية التالية: خروج ألمانيا ربما يكون أكثر نفعاً لجميع الأطراف المعنية.

وما لم يتخذ قادة أوروباً إجراءات حاسمة في وقت قريب، مثل اعتماد وتطبيق جزء من الأفكار الإصلاحية الكبيرة التي طرحوها، فإن العملة الموحدة سوف تمضي في طريقها إلى التفكك.

لقد انتقلت عدوى المشكلات التي تعاني منها اليونان وإيرلندا والبرتغال إلى إسبانيا، التي تملك رابع أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، وربما تلحق بها إيطاليا. المشكلة أن بقية الدول الأعضاء في الوحدة النقدية لا تملك ما يكفي من الأموال لإنقاذها. ولن يؤدي المزيد من الإقراض إلا إلى زيادة تفاقم مشكلة تضخم الديون وتعميق الفجوة بين الشمال القوي والجنوب الأقل قوة. وفي غياب النمو الاقتصادي الإيجابي – وقد عادت أوروبا الآن إلى الركود – فإن عدة دول سوف تضطر إلى إعادة هيكلة ديونها السيادية. وبالنظر إلى التجربة المريرة التي عاشتها اليونان على مدى عامين في هذا الصدد فإن تكرار التجربة عدة مرات سوف يكون أمراً بالغ الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً.


وإذا ما خرجت اليونان من الوحدة النقدية الأوروبية فسوف يتحول الموقف إلى الأسوأ، حيث لا توجد آلية لاتخاذ قرار حول الدولة التي ستكون التالية في الخروج أو للتعامل مع ذلك، وهذا على فرض أن الخروج سوف يتم بكل سلاسة ويسر. والاحتمال الأكثر إثارة للفزع هو أن الدول المتعثرة الأخرى يمكن أن تخرج من منطقة اليورو في خضم حالة من الهلع اللامحدود، في مشهد لا يخلو من إفلاس البنوك وانهيارها في مشهد اضطراب شامل. وسوف يؤدي عدم سداد قروض بمليارات اليورو إلى إثقال كاهل النظام المالي الأوروبي، بما في ذلك ألمانيا، بالمزيد من الأعباء. وسوف يصاب الاقتصاد العالمي بالشلل مع تساؤل الجميع عن حجر الدومينو الذي سيسقط أولاً.

خروج ألمانيا
ماذا إذن سيحدث لو خرجت ألمانيا من منطقة اليورو؟ ربما يكون هذا هو أفضل الخيارات المتاحة، لأن من غير المرجح عندئذ أن تتكرر عمليات الدمج وإعادة الهيكلة، كما أن انسحاب الأعضاء الأكثر ضعفاً سوف يكون غير متوقع.

إن دولة منفردة وقوية مثل ألمانيا تملك أفضل فرصة للخروج على نحو سلس ينتهي قبل أن يشعر أحد بالهلع. ولا داعي حينئذ للقلق ممن سيخرج ومن سيبقى. وعندما تخرج قوة تصديرية كبرى مثل ألمانيا من منطقة اليورو فإن قيمة العملة الموحدة سوف تتراجع بشدة، لكنها لن تكون غير ذات قيمة. أما إذا خرجت اليونان من منطقة اليورو وأعادت إصدار عملتها "الدراخما" فإن هذه العملة سوف تكون بالتأكيد دون قيمة تذكر. وإذا تم تخفيض قيمة اليورو فإن خروج اليونان سيكون خطوة لا مبرر لها. ولن تحدث أي حالات عدوى ولا انهيارات مصرفية. ومع اعتبار الملاذات الأخرى (غير اليورو) ذات تكلفة مرتفعة مقارنة بأسعار الصرف الجديدة، ومع زوال التهديد بالاضطرار إلى العودة للعملات المحلية ذات القيمة المخفضة، فإن المودعين في جنوب أوروبا لن يجدوا ما يدعوهم للهرب.

سوف يكون خروج ألمانيا مفيداً لكل الدول المتبقية في منطقة اليورو: سوف يؤدي تخفيض قيمة العملة إلى تحسن جذري في تنافسيتها التجارية، وهذا بالضبط ما أكد مراقبون أن الدول في جنوب أوروبا بحاجة ماسة إليه. سوف يتحسن ميزان الدفعات لدول منطقة اليورو، مما سيؤدي لتوفير أموال هي في أمس الحاجة إليها لخدمة ديونها. سوف تصب هذه المزايا في مصلحة منطقة اليورو ككل، وذلك في مقابل تتابع عمليات الخروج في الجانب الأضعف من الطيف، بحيث تنهار الدولة الضعيفة تلو الأخرى، وبحيث كلما خرجت دولة ازداد الضغط على الدولة التي تليها.

ويمكن أن يؤدي خروج ألمانيا إلى تردد بعض الدول القوية الأخرى في منطقة اليورو، مثل هولندا، في اتخاذ قرار بالخروج. فهي لو خرجت فسوف تفقد الميزة التجارية التي ستحصل عليها بفضل تخفيض العملة الموحدة، وسوف يتعين عليها تحمل كل التكاليف والتعقيدات التي تنطوي على إعادة استصدار عملاتها المحلية من جديد.

ولا شك في أن تدني سعر اليورو سوف يسبب الضرر للمستثمرين الأجانب الذين يملكون أصولاً يغلب عليها اليورو. لكن الجانب الإيجابي في الأمر هو أن الخسائر سوف تكون متزامنة، وسوف تتوزع بعدالة على الدائنين، وسوف تكون أقل ضرراً في دول جنوب أوروبا مما كان سيؤول إليه الوضع في سيناريو الخروج المتتابع من منطقة اليورو. 

مصلحة حيوية
هناك بالتأكيد مصاعب لا ترتبط بالعملة بحد ذاتها، بما في ذلك الطفرة العقارية في إسبانيا وأثرها على البنوك الإسبانية. ويمكن أن يؤدي تخفيض العملة في هذه الحالة إلى جلب استثمارات خارجية جديدة. إلا أن الحكومات ربما تضطر لإنقاذ بنوك أوروبية معينة تواجه متاعب مع الأصول الفاسدة أو تتضرر بشكل أو بآخر بسبب تخفيض قيمة اليورو. وهنا من المتوقع أن تحتاج اليونان وغيرها من الدول لدعم جماعي. لكن ألمانيا، رغم خروجها، سوف يكون لديها أسباب وجيهة للمساهمة في الدعم: فخروجها من اليورو لن يؤثر على مصالحها الحيوية في ازدهار الاقتصاد الأوروبي واستمراريته.

وبينما تشير معظم الاستطلاعات إلى أن معظم الألمان سوف يكونون مسرورين لعودة عملتهم القديمة للتداول، فإن ألمانيا لن تخرج دون خسائر، حيث ستتقلص صادراتها لأن سعر الصرف الجديد سوف يجعل السلع الألمانية أغلى بكثير في الخارج، وربما تتعرض للهجوم لمخالفتها النهج الذي اتبعته أوروبا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية والقائم على التكامل. وبالرغم من ذلك، فإن خطوة جسورة كهذه من شأنها أن تمنع وقوع كارثة محققة، وهي لن تؤذن بالضرورة بسقوط المشروع الأوروبي. هناك مقولة شهيرة تصف الثوريين الأمريكيين بأنهم "هربوا لكي يقاتلوا في يوم آخر"، وقد حققوا انتصارهم في النهاية. لقد نجح الدستور الأمريكي نجاحاً باهراً من المحاولة الأولى بعد الوحدة، لكن بنود الكونفدرالية فشلت فشلاً ذريعاً.

والحقيقة أن خروج ألمانيا من منطقة اليورو اليوم يمكن أن يمهد السبيل أمام اتحاد أكثر استقراراً في الغد. وعندما تكون دول منطقة اليورو قد تعلمت دروسها وتصالحت مع الواقع الاقتصادي، فإنها يمكن أن تحقق نجاحاً أكبر في محاولتها الثانية لإنجاز التكامل فيما بينها.


*رئيس تاونسيند غروب إنترناشونال، وهي شركة لاستشارات الأعمال مقرها في ولاية كونيكتيكت الأمريكية.

ليست هناك تعليقات: