مارك تشامبيون
تصدر بوتين عناوين الصحف في نهاية الأسبوع الماضي عندما صرح بأنه يرغب في بقاء قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان وأنه سوف يسره أن يخصص أحد المطارات الروسية لإعادة توفير الإمدادات لتلك القوات. هل هذا الموقف غريب؟ لا، ليس غريبا.
حاول القوميون والشيوعيون الروس مهاجمة بوتين بعد القرار الذي اتخذه في مطلع العام الحالي بالسماح لقوات حلف شمال الأطلسي بنقل المعدات إلى أفغانستان عبر قاعدة جوية في أوليانوفسك (مسقط رأس لينين) سوف يبدأ تشغيلها خلال الشهر الحالي. وقد دافع بوتين عن قراره بالقول إنه يخدم المصالح الروسية.
ليس صحيحا أن بوتين وقع فجأة في غرام الغرب أو حلفه العسكري، بل إنه ما زال يكره حلف الناتو بروح الحرب الباردة. بل إن بعض المفردات التي استخدمها في تصريحاته الأخيرة تدل على أنه يتلذذ ببقاء القوات الأمريكية ومعاناتها في أفغانستان كما سبق وأن ساعدت الولايات المتحدة القوات السوفيتية على المعاناة في أفغانستان خلال الثمانينيات.
قال بوتين مشيرا إلى الناتو: "فليبقوا هناك وليقاتلوا"، وأضاف أنهم "تحملوا عبئا ثقيلا ولا بد من أن يستمروا في حمله حتى النهاية".
النقطة الأساسية هنا هي أن بوتين كان محقا في قوله إن بقاء الناتو في أفغانستان إنما يخدم المصالح الروسية، لأن عدم الاستقرار في أفغانستان يمثل تهديدا لروسيا أكبر بكثير من تهديده للولايات المتحدة أو أي دولة عضو في حلف شمال الأطلسي، على الرغم من كل ما قيل عن هجمات 11 سبتمبر. ليس بوسع روسيا أن تعود إلى أفغانستان كي تفرض النظام فيها – فالسنوات العشر التي قضتها هناك كفيلة بردعها عن مجرد التفكير في ذلك – وإذا حدث وأن تورطت إحدى القوى الإقليمية (مثل إيران أو باكستان أو الهند أو، لا قدر الله، الصين) في هذا المستنقع فإن التهديد الاستراتيجي الذي ستواجهه روسيا سوف يكون أكبر.
وهكذا فإن الناتو هو الخيار الوحيد المتاح. وبما أنه بعيد جغرافيا عن المنطقة فسوف يبقى طرفا محايدا نسبيا في وجه الصراعات اللانهائية التي تدور دائما حول أفغانستان. وكان بوتين قد ذكر أمام مجلس الدوما الروسي في وقت سابق من العام الحالي أنه لا يريد الزج بالقوات الروسية في معارك على الحدود بين أفغانستان وطاجيكستان. إذا نظرت إلى خارطة أفغانستان وحاولت أن تفكر بالطريقة التي يفكر بها بوتين – والذي يعتبر أن حدود تركمنستان وأوزبكستان وطاجيكستان هي حدود روسية افتراضية – فسوف ترى أن مخاوفه لها ما يبررها.
لا شك في أن بوتين لم يكن راضيا عن وجود قواعد لإمدادات الناتو في وسط آسيا، رغم أنه كان قد أيد وجودها بشكل مبدئي بعد أحداث سبتمبر. لقد خشي من أن تصبح الولايات المتحدة في مكان مريح في المنطقة يتيح لها استغلال دول المنطقة في إضعاف نفوذ روسيا في ساحتها الخلفية، ولكن تهديدا من هذا النوع لا يمكن أن يحدث داخل روسيا.
من المعروف أن بوتين يمقت الناتو ولا يثق في الولايات المتحدة، وهذا واضح فيما جرى في ليبيا ويجري في سوريا. وحتى في أفغانستان، وقبل أن يصبح انسحاب الناتو عام 2014 وشيكا، مارس بوتين لعبته المفضلة عندما سمح لبضعة دول من أعضاء الحلف فقط بعبور الأراضي الروسية ورفض أن يتعامل مع الحلف كمؤسسة متكاملة. وعلى الرغم من ذلك فإن الرئيس الروسي ليس مريضا بجنون العظمة ولا يفتقر إلى العقلانية. إنه يعلم أن المصالح الروسية لن تتضرر إلا عندما تنسحب القوات الغربية من كابول.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق