"إن هذه الرواية لا تعني أحداً، وتعني كل الناس أيضاً".
لست أدري إن كان كاتب هذه الكلمات هو عبدالرحمن منيف نفسه أو شخصا آخر (لعله الناشر)، ولكنها على أية حال موجودة على الغلاف الخلفي من النسخة التي اقتنيتها من هذه الرواية. الفكرة الأولى التي خطرت لي هي أن هذه الكلمات لا بد أنها كانت ذات تأثير هائل على القراء في فترة السبعينيات من القرن العشرين، عندما كان كل شيء مدهشا.
و"شرق المتوسط" هي إحدى الروايات الأولى لعبدالرحمن منيف، أتم كتابتها في ربيع عام 1972 ونشرها بعد ذلك بسنتين تقريبا. وللمرء أن يتصور حجم الصدى الذي تولد عن الصيحة التي أطلقتها هذه الرواية في زمن ما بعد نكسة 1967، زمن سقوط حلم الوحدة العربية على رؤوس أصحاب الأفكار القومية، زمن ما بعد عبدالناصر.
يرى الكثيرون أن هذه الرواية دشنت ما يسمى "أدب السجون" في الثقافة العربية، ويعدها البعض من أفضل الروايات العربية في القرن العشرين، وذهب الشطط ببعضهم إلى زعم أنها من الروايات العالمية المتميزة.
وفي رأيي الصغير المتواضع فإن ريادة هذه الرواية كانت في مجال مختلف عن موضوع "السجون" وما إلى ذلك، حيث أرى أنها من الروايات الأولى المكتوبة بالعربية التي طرحت فكرة البطل/ اللابطل، حيث بطل الرواية ليس بطلا بالمعنى الحرفي ولا المجازي. فلا هو إنسان انتصر في معركة ما أو حقق إنجازا مشرفا ولا هو على قيد الحياة أصلا – كما نكتشف في الصفحات الأخيرة – بل هو مجرد إنسان مهزوم لم يشفع له صموده في وجه جلاديه بضع سنين في إخراجه من بوتقة الهزيمة، ولا أظن المناورة الأخيرة التي وضعها الكاتب (الميتة التي اختارها لبطله) كانت ستشفع له أيضا. ولو كنت مكان الكاتب لوضعت للشخصية الرئيسية "رجب" نهاية تليق بمجمل السرد الذي قصه على القراء بلسان أخته "أنيسة" تارة وبلسانه هو تارة أخرى على امتداد صفحات الرواية.
ومن الواضح أن الكاتب كان لا يزال يتلمس طريقه في دنيا الأدب عندما خط روايته هذه، حيث لا يخفى على ذي بصيرة أنه لم يكن قد تمكن بعد من الفنون والأساليب الروائية المختلفة التي لو استخدم بعضها لخرج علينا بتحفة أدبية مذهلة. وأحسب أنه تأثر في كتابة "شرق المتوسط" بكتابات غسان كنفاني، والله أعلم. المهم أن عبدالرحمن منيف استفاد كثيرا من تجربته في شرق المتوسط الأولى وبنى على تجربته فيها رواياته التالية التي ما زلت أنتظر الوقت المناسب لقراءتها، والوحيدة منها التي قرأتها للآن هي "النهايات"، وهي بحق من أجمل ما قرأت من روايات العرب.
ومن جديد، ولكيلا أغمط الرواية حقها، أقول إن هذا النوع من الكتابات كان ينبغي قراءتها وقت صدورها، في عام 1972، ولكن أنى لمن ولد بعد ذلك بسنين وتعلم القراءة بعدها بسنين أن يقرأ "شرق المتوسط" وقت صدورها! لكن من شاء أن يعرف فضل هذه الرواية على سائر الروايات في جنسها الأدبي فليقرأ رواية "القوقعة" لمصطفى خليفة التي أرى أنها هدمت كل ما بناه عبدالرحمن منيف في "شرق المتوسط"، لمن لم يقرأ شرق المتوسط بعد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق