السبت، أغسطس 18، 2012

قراءة في كتاب "رجال بيض أغبياء" لمايكل مور



احتل كتاب "رجال بيض أغبياء" لمايكل مور المرتبة الأولى على قائمة الكتب الأكثر مبيعا على جانبي المحيط الأطلسي، وقصة وصوله إلى هذه المرتبة لا تقل إثارة عن محتوى الكتاب نفسه.

مايكل مور مخرج أفلام وثائقية معروف، من أشهر أعماله فيلم "روجر وأنا" الذي تناول فيه جشع أصحاب الشركات الأمريكية. كان مور قد فرغ من إعداد كتابه هذا في مطلع عام 2011، وكان من المقرر أن يطرح الكتاب في الأسواق في يوم 11 سبتمبر من تلك السنة. وللقارئ أن يتصور ما حصل بعد ذلك التاريخ.

عشية الهجمات التي استهدفت مركز التجارة العالمي في نيويورك قررت دار النشر هاربركولينز، والتي يملكها روبرت مردوخ، أن الوقت لم يكن مناسبا لنشر كتاب يهاجم فيه مؤلفه النظام السياسي والاقتصادي الأمريكي.

والحقيقة أن هاربركولينز طالبت مور بإعادة كتابة 50% من كتابه وإسقاط بعض الفصول منه بالكامل ودفع 100.000 دولار لدار النشر مقابل 50.000 نسخة مكتملة الطباعة في طريقها للإتلاف!


رفض مور الالتزام بأي مما سبق، وليس في هذا أدنى مفاجأة. إلا أن العقد الذي وقعه مع دار النشر كان يحظر عليه الإفصاح عما حدث. وفي ديسمبر من السنة نفسها، وبينما كان مور يتحدث أمام اجتماع سنوي لبعض النشطاء في نيوجيرسي طلب إليه بعض الحضور أن يوقع على عدد من النسخ الأولى/ المكتملة من الكتاب فعبر عن الأسى لأن كتابه الأخير تعرض لأسوأ أشكال الرقابة والمنع.

أما البقية، كما يقولون، فهي مجرد تاريخ. قام أحد أصحاب المكتبات من الحاضرين بنشر عدد من الرسائل الإلكترونية في جميع أنحاء البلاد تشرح ما فعلته هاربركولينز من منع لأحد الكتب. وخلال بضعة أسابيع كانت دار النشر ترزح تحت وطأة ضغط هائل من أصحاب المكتبات في مختلف أرجاء البلاد. وسرعان ما وصلت الحكاية إلى إحدى المجلات ليخرج المارد أخيرا من قمقمه.

قررت هاربركولينز اللجوء إلى الخيار الأقل ضررا من خلال نشر "رجال بيض أغبياء" على نحو سري، أي دون أي دعاية. وعلى الرغم من ذلك فقد بيع من الكتاب 50.000 نسخة في يوم واحد وأعيد طبعه 24 مرة.

يشن الكتاب هجوما مباشرا وساخرا في الوقت نفسه على ممارسات الديمقراطية في أميركا. ويفضح مور بأسلوب لا مواربة فيه كيفية استيلاء بوش على الرئاسة في انتخابات عام 2000، فيما أطلق عليه مور تسمية "انقلاب أمريكي بحت". ثم استعرض المؤلف أسلوب تعامل الطبقة الحاكمة في أميركا مع المواطنين حيث تحرمهم من التعليم الحكومي الجيد وتطبق عليهم نظام عدالة زائفا ليس سوى مدعاة للسخرية.

من الموضوعات الهامة التي يسلط الكتاب عليها الضوء كيفية تدخل الشركات الكبرى في السياسة في عهد بوش بحيث أصبح لهذه الشركات موطئ قدم معترف به داخل البيت الأبيض. ويرى مور أن ذلك لم يكن ليتحقق لولا ممارسات الإدارة السابقة في عهد بيل كلينتون.

"إن بوش ليس سوى النسخة الأكثر بشاعة ونذالة مما كان لدينا في التسعينيات – باستثناء أنه في ذلك الوقت كان يأتينا رجل مبتسم يعزف على الساكسفون ويخبرنا عن نوع الملابس الداخلية التي يرتديها (هو ومتدرباته)".

ويكشف مور في الكتاب أن إدارة كلينتون دعمت عقوبة الإعدام وحظرت تمويل الإجهاض وألقت بالفقراء في الشوارع وضاعفت أعداد المساجين وقصفت أربع دول مختلفة وأوقفت تنفيذ أهم بنود اتفاقية كيوتو للبيئة وتخلت عن وعودها الخاصة بالرعاية الصحية.

"بات الديمقراطيون مجرد جمهوريين مستقبليين، وبالتالي فإنني أقترح ما يلي: أن يندمج الحزب الديمقراطي مع الحزب الجمهوري في حزب واحد. وبهذه الطريقة يستطيع الاثنان الاستمرار في ما يقومان به على أفضل صورة – تمثيل الأغنياء – وتوفير الكثير من الأموال عن طريق تجميع المباني والطواقم في جهاز واحد يمثل 10% من الشعب هم الأكثر ثراء".

تتشابه أزمة السياسة الأمريكية التي وصفها مايكل مور مع ما يحصل في بريطانيا، مع التراجع المستمر في شعبية حزب العمال الجديد وازدياد أعداد الممتنعين عن التصويت في الانتخابات. لكن مور لم يقدم في كتابه أي بديل للمستقبل، بل إنه دعم بنفسه حملة "التحالف الأخضر" التي قادها رالف نادر في انتخابات عام 2000.

ويبقى مايكل مور، كما يقول في كتابه، واثقا من شيء واحد: القوة السياسية التي يملكها الأفراد العاديون. وقد أنهى كتابه بنداء مؤثر قال فيه: "علينا أن نواجه مخاوفنا ونتوقف عن التصرف كما لو كان هدفنا الوحيد هو مجرد البقاء على قيد الحياة. هذا الهدف يخص المشاركين في برامج المسابقات وتلفزيون الواقع. أنتم لستم في أحد برامج تلفزيون الواقع. أنتم تملكون المكان. وهؤلاء الأشرار ليسوا سوى زمرة من الرجال البيض السخفاء الأغبياء. ونحن أكثر منهم بكثير. استخدموا قوتكم، فأنتم تستحقون الأفضل".

ليست هناك تعليقات: