الجمعة، مايو 20، 2011

شكرا أوباما


كان باراك أوباما واضحا في خطابه الأخير عندما توجه إلى "الثوار" العرب بالقول إن الأحداث الأخيرة في المنطقة أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن الطرق السلمية هي التي تحقق التغيير، وأن العنف "الذي سماه الإرهاب" لا يجدي نفعا؛ والدليل على ذلك أن "المجرم" ابن لادن لم يحقق شيئا بجرائمه ولم يسقط زعيما عربيا ولا نظاما، بينما نجح في ذلك شباب "الثورة" بالطرق السلمية ودون إهراق الكثير من الدماء.

هذه، إذن، هي الرسالة التي يبعثها الأمريكيون للعرب، وهذا ما يريده الأمريكيون منا: نبذ العنف بكافة أشكاله وصوره عندما نكون نحن مصدر العنف. أما حين يقع العنف على رؤوسنا فلا مانع ولا مشكلة على الإطلاق. ولعل هذه هي العقبة الأخيرة المستعصية أمام دعاة المقاومة "السلمية" و"المدنية" و"الشعبية" وغيرها من المقاومات، التي لا تسمن ولاتغني من جوع لكن أصحابها يصرون على اعتبارها السبيل الأمثل لتحقيق الأهداف.
نعم تحقيق الأهداف وليس تحقيق النصر أو هزيمة الأعداء مثلا! لأننا الآن نتحدث بمنطق الشركات الرأسمالية التي تتنافس فيما بينها لتحقيق أهدافها وليس بمنطق من يقاتل في معركة حقيقية!

يصمت هؤلاء عندما نحدثهم عن العنف الذي يمارسه الأمريكيون وحلفاؤهم كل يوم وكل لحظة، وعن العنف الذي مارسه الأوروبيون في الحرب العالمية الثانية، وعن الدموية التي شابت الثورة الفرنسية الشهيرة، وعن محاكم التفتيش وغيرها الكثير الكثير. وإن لم يصمت هؤلاء فإنهم يبادرون بالقول إن الأمريكيين والأوروبيين ليسوا قدوتهم..فمن قدوتكم إذن؟ ولماذا تستميتون في سبيل إقامة نظام ديمقراطي تشترطون فيه ألا يكون دينيا بأي شكل من الأشكال؟

الكثيرون أشاروا إلى مسألة المصطلحات والانتباه إليها، ونحن الآن أكثر حاجة إلى ذلك من أي وقت مضى.

أما أوباما فقد كان واضحا، كما ذكرت، في خطابه. لقد قرر الرئيس الأمريكي إعفاء مصر من مليار دولار من القروض المستحقة لواشنطن عليها، وقال إنه سيسعى لدى صندوق النقد الدولي لمنحها مليارا آخر. وفي الوقت نفسه سوف تنطلق مجموعة من الصناديق الاستثمارية لتعزيز الاقتصاد في كل من مصر وتونس اللتان أصبحتا الآن دولتين "ديمقراطيتين" بفضل ما أنجزه شبابهما في "الثورات" السلمية التي قادوها. ولقد أدهشني حديث أوباما عن محمد البوعزيزي الذي أحرق نفسه في تونس وبات رمزا لهذه "الثورات"، وبلغ من علو شأنه أن خشي الكثير من علماء الدين من التعبير الصريح عن رأي الدين فيمن يحرق نفسه، كأنما أرادوا ألا يحرجوا أنفسهم أمام "الثوار" بفتاوى تجعل من بطلهم مجرد شخص خالد في النار التي أحرق نفسه بها!

وهذه الجزئية بالذات مثال ناصع على ما نقول. فهل يسلم من ينتقد ما فعله البوعزيزي من القدح والتشهير؟ هل يجرؤ أحد على القول إن هذا البوعزيزي كان أجبن من أن يعترض على البشر فاختار أن يعترض على رب البشر؟ ليس شجاعة منه ولكنه لا يرى رب البشر كما يرى البشر!
وهل يجرؤ أحد على القول إن الحديث عن دولة مدنية هو أمر مرفوض دينيا؟ لا أظن ذلك لأن الطوفان أقوى من أن يقاومه أفراد لوحدهم.

شكرت أوباما في العنوان وسأشكره في الخاتمة لأنه جعل كل شيء واضحا ولم يترك أي حجة للمشككين. ما حصل في مصر وتونس ويحصل في سائر الدول إنما تم تدبيره بليل. وأكاد أجزم أن القادم من الأيام صعب وعصيب، وأن العدو الوحيد لكل هؤلاء ليس الفساد والا المفسدين، ولا الظلم ولا الظالمين. العدو الوحيد لهؤلاء ولأولياء نعمتهم هو الدين والمتدينون.

ليست هناك تعليقات: