شينا روسيتر
(كاتبة كندية مقيمة حاليا في ريو دي جانييرو)
في العام 1950 عاش البرازيليون ما أسماه أحد الكتاب المسرحيين “مأساة هيروشيما”. فقبل 11 دقيقة من انتهاء المباراة النهائية بكأس العالم، فشل حارس المرمى البرازيلي مواشير باربوسا في صد كرة سددها لاعب الأوروغواي ألسيديس غيغيا، ولف الصمت الرهيب أكثر من 200,000 مشجع في استاد ماراكانا بريو دي جانييرو قبل أن تحل الهزيمة المذلة بالدولة المستضيفة. وقد ظل باربوسا نادما على هذه الهزيمة طوال ما تبقى من حياته.
وإذ تستعد البرازيل لاستضافة كأس العالم للمرة الثانية، في العام 2014، فمن المحتمل أنها تعد نفسها لهزيمة مذلة ثانية في ماكارانا، لكن الهزيمة هذه المرة تتمثل في أن الملعب ربما لا يكون جاهزا لاستضافة أية مباريات. وحسب توقعات مجلة "فيجا" فإن استمرار تأهيل الملعب وفق السرعة الحالية سوف يؤدي به إلى الجاهزية الكاملة في العام 2038!
ولا تتعلق المسألة بماراكانا وحده. إذ من المتوقع أن تتفوق البرازيل على جنوب إفريقيا في فوضى ما قبل المونديال.
لقد قال وزير الرياضة أورلاندو سيلفا إن أعمال البناء سوف تتسارع وإن الاستثمار في البطولة – من القطاعين العام والخاص – سوف يبلغ 28.7 مليار دولار. أليس هذا خبرا سارا؟
ليس بالضرورة
"لقد عبر قرابة 60% من السكان عن معارضتهم للاستثمار في إعداد الملاعب الرياضية لاستضافة كأس العالم، وهذا يعني أن الشعب لا ينجذب بسهولة للشعارات البراقة” وهذا ما ذكره أحد المواقع الإلكترونية الرياضية في ساو باولو. "الأهم من الملاعب هو أن يحصل المواطنون على عائد مقابل الضرائب الباهظة التي يدفعونها، وذلك عبر توفير خدمات عامة جيدة".
وربما كان هذا الشعور ناجما عن التجربة السابقة. ففي آخر استضافة للبرازيل لبطولة عالمية (وهي دورة الألعاب الأمريكية 2007 في ريو دي جانييرو)، انتهى المطاف بتحمل دافعي الضرائب عشرة أضعاف التكاليف التي كانت مقررة في الميزانية الأولية، وذلك نتيجة لما قيل آنذاك إنه بيروقراطية فاسدة تفتقر للفعالية.
"الطوارئ تكشف عن نقاط الضعف، وهذا يؤدي إلى رفع التكلفة أو مضاعفتها" وفقا لخورخي أبراهاو، وهو رئيس معهد إيثوس.
ووفقا لحسابات صحيفة فولها دي ساو باولو، فقد ارتفعت تكلفة بناء الملاعب في المدن المستضيفة ال12 بنسبة 56% خلال العامين الماضيين إلى 4.15 مليار دولار. وهناك ثلاث مدن – هي ناتال وساو باولو وكوريتيبا – لم تبدأ في تهيئة ملاعبها بعد.
ولقد أدى تصاعد تكلفة إعادة إعمار ماراكانا إلى قيام وزارة الشؤون الفدرالية بفتح تحقيق في الموضوع، حيث من المعتقد أن دائرة الأشغال العامة بالغت في تسعير المشروع.
كتب دانييل بيزا، وهو أحد كتاب صحيفة إستادو دي ساو باولو، في خطاب مفتوح إلى الرئيسة البرازيلية حول تأخر الإنشاءات قائلا: "من المتوقع أن تكلف إعادة إنشاء ماراكانا مليار ريال برازيلي (625 مليون دولار) – وكما سبق أن كتبت لك فإن التسرع هو صديق الفساد – وهذا شيء مخز. لن تشارك ساو باولو في كأس العالم للقارات 2013، ومن المحتمل ألا يكون ملعبها جاهزا إلا في اللحظة الأخيرة في العام 2014. كما أن ملعب إيتاكيرا الخاص بنادي كورينثيانز – والذي كلف مليار ريال أيضا – هو أيضا عار آخر. لم نر هذا القدر من انعدام الكفاءة حتى في جنوب إفريقيا".
وكل ما سبق إنما يضاف إلى مآسي الآلاف من الأسر التي تم طردها وإجبارها على تغيير أماكن سكناها من أجل إفساح المجال لإقامة مشروعات كأس العالم.
وقد صرحت راكيل رولنيك، وهي مقررة خاصة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بالقول "أنا أتابع البروتوكولات الموقعة بين الحكومة الفدرالية وحكومات الولايات والبلديات ذات العلاقة بكأس العالم"، وهي تتابع عمليات الإخلاء منذ عدة أشهر. وترى رولنيك أن التعويض الذي تقدمه الحكومة للأسر المهجرة كان غير كاف على الإطلاق. "ما أخشاه هو أن تحصل الأسر على شيكات بقيم ضئيلة. تحصل الأسر أحيانا على شيكات بمبالغ لا تتجاوز 8,000 أو 5,000 أو حتى 3,000 ريال فقط. ونحن ندرك أن هذه المبالغ لا تكفي حتى لشراء كوخ في إحدى العشوائيات".
يشعر الكثير من البرازيليين بالحرج بسبب التأخير والاتهامات بالفساد والظلم. البعض منهم يلوم حزب العمال، الذي يتولى السلطة منذ العام 2003، وخاصة القرار الذي اتخذه باستضافة الألعاب في 12 مدينة بدلا من 10 مدن كما يطلب الفيفا في العادة.
وقد كتب رينالدو أزيفيدو في مجلة فيجا قائلا: "لقد أقدمت البرازيل على فعل أخرق"، وألقى باللائمة على الرئيس البرازيلي السابق لويز إيناسيو لولا دا سيلفا لتوسعته رقعة انتشار المباريات من أجل زيادة شعبيته وأيضا “من أجل تحقيق أكبر استفادة ممكنة". إن ثمة مخاوف متزايدة من أن تتحول الملاعب الضخمة المشيدة في المدن النائية إلى مجرد "أفيال بيضاء" بعد انتهاء فعاليات المونديال.
وحتى لو حققت البرازيل الهدف فإن لاعبا عظيما مثل بيليه يشك في أن بلاده مستعدة لاستضافة هذا العرس الكروي. فهو يقول "إنها ليست ذكرى جيدة: فقد انهزمنا في المرة السابقة التي استضفنا فيها الكأس" ويضيف "والآن وقد حصلنا على فرصة عظيمة لاستعادة أمجادنا، هل سنكون قادرين على صنع مونديال حقيقي؟".
وقد كانت تعليقات بيليه من القوة بحيث استدعت ردا من لاعب برازيلي عظيم آخر هو رونالدو، والذي عقب بالقول إن الاستعدادات إنما تتبع "الطريقة البرازيلية".
وإذا كان البرازيليون يتبعون الاستراتيجية نفسها التي اتبعوها في مباراتهم مع هولندا في ربع نهائي كأس العالم 2010، فإن عليهم أن يعيدوا النظر فيها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق