الاثنين، يوليو 25، 2011

مسرحية "هلوسات فكرية" للمخرج كاشف سميح


لا يترك كاشف سميح لمشاهديه وناقديه فرصة للاختلاف على مسرحياته؛ فالسمة الجامعة بينها جميعا هي وضوح الرؤية وجلاء المقصد في زمن يصر فيه جل المسرحيين إصرارا على الخوض في غياهب العبث والتجريب تاركين المشاهد ضحية لتواطؤ النقاد معهم! أما كاشف سميح فيملك من الجرأة ما يكفي لنبذ التواري خلف الأقنعة، وهو يرى أن المسرح صاحب رسالة نبيلة وأن كل مسرحية إنما تكون بمثابة فرصة ثمينة لا يجوز أن نضيعها.

عنوان المسرحية "هلوسات فكرية"، وهي مسرحية كوميدية (على نمط الكوميديا السوداء) قصيرة لا تتجاوز مدة عرضها 40 دقيقة. وقد شاهدتها بالأمس 24/7/2011 على المسرح الدائري بالمركز الثقافي الملكي في عمان. وكما هي عادته في سائر مسرحياته، اعتلى كاشف خشبة المسرح قبيل بداية العرض وحيا الجمهور مخاطبا إياهم بعبارات ودية مختصرة، ثم تحدث عن مسرحيته بالقول إنها لن تعتمد على الصورة ولا الصوت؛ إنما ستكون قائمة على الكلمة فحسب.


بدأت المسرحية بمشهد لصراع بين شخصين أحدهما يرتدي ملابس غربية والآخر بملابس عربية لكنه ملثم. دخل الاثنان في معركة قصيرة انتهت بانتصار العربي الذي أخذ سلاحه "الذي بدا أشبه بسارية علم" وسلمه لصبي تبدو عليه علامات الألم. تناول الصبي السارية من العربي وحاول أن يستعين بها للنهوض لكنه لم يقدر، وغادر العربي المشهد، ثم استغرق الصبي في نوم عميق.

على خشبة المسرح سلمان خشبيان (يمثلان مع السارية ديكور المسرحية بأكمله) على قمة كل منهما بطاقة ورقية مكتوب عليها "تنزيلات". عندما بدأ المشهد الثاني وجدنا على كل منهما رجلين يرتديان ملابس غربية ونظارات سوداء. الأول ملابسه مرتبة إلى حد ما لكنه فاقد للبصر لا يدري إن كانت الدنيا نهارا أم ليلا، والآخر ملابسه رثة وهيئته مضحكة لكنه يملك حاسة البصر. يدور بين الاثنين حوار سطحي سخيف يستمر إلى أن يقاطعهما شخص ثالث يلج المشهد بخطى ثابتة واثقة ويلقي كلمات بالغة العمق والإيلام ثم يغادر. ومع كل مرة يدخل فيها هذا الشخص المسرح نجد أن مستوى الحوار بين صاحي النظارات السوداء يرتقي قليلا ويبتعد عن الترميز إلى المباشرة. ويستمر الصعود إلى أن يتفق الثلاثة على الحقيقة الكبرى وهي أن النص الإلهي هو السبيل الوحيد لنجاة الإنسان، وأنه مهما ابتغى النجاة بسواه فلن ينجو، وأن الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء. وهنا يكون الحوار قد بلغ نهايته بالضرورة، لأنه لو استمر لتحولت المسرحية إلى محاضرة وعظية مملة.

تنطفئ الأضواء عن المتحاورين الثلاثة لتتسلط من جديد على الصبي النائم، الذي يهرع إليه شاب بملابس طبيب يؤدي عملية جراحية ويساعده على النهوض ويأخذه إلى سريره كي ينام، وتبدو على الصبي أمارات الإرهاق الشديد (السرير هو ذاته السلمان وقد وضعا إلى جوار بعضهما البعض). وقبل أن ينام الصبي أمسك بالسارية التي ظل محتفظا بها وفض "العلم" في أعلاها لنكتشف أنه أشبه بشجرة وارفة استظل بها الصبي ونام أسفلها، وانتهت بذلك المسرحية.

وبينما كنت أغادر المسرح لاحظت أن وجوه الكثير من المشاهدين علتها خيبة الأمل وربما الدهشة لما شاهدوا، حيث كانوا على الأرجح يتوقعون شيئا مختلفا تماما. وهنا تذكرت ما جاء على لسان بطل المسرحية "المبصر ذي الثياب الرثة" الذي قال: "اسمي مندهش... أصحو كل يوم من النوم مندهشا، وذات يوم أفقت من النوم غير مندهش فأصابتني دهشة شديدة!!"

ليست هناك تعليقات: