الاثنين، نوفمبر 07، 2011

الطبقة الوسطى تدفع ثمن أخطاء الأسواق المالية




يمكن القول، وفق منظور معين، إن الأزمات المالية كلها متشابهة: مجموعة صغيرة نسبيا من الأفراد، من كبار المصرفيين عادة، يجدون فرصة للدخول في استثمارات ذات مخاطر مرتفعة للغاية. يحقق هؤلاء المصرفيون أرباحا كبيرة لبعض الوقت، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار أسهم شركاتهم وكذلك مكافآت كبار المسؤولين فيها. لكن هذه الأرباح لا تعبر قطعا عما سيتبلور بالفعل خلال السنوات الخمس إلى العشر المقبلة، أي أنها تعمل على التقصير في تقدير المخاطر والمبالغة في تقدير الأرباح الحقيقية.

إن الدخول في استثمارات ذات مخاطر عالية يؤدي إلى رفع احتمالات زيادة العوائد قصيرة الأمد، وهذا ما حصل مع النظام المصرفي الآيسلندي بعد العام 2003، عندما تم السماح لثلاثة بنوك بالدخول في استثمارات خارجية بالغة الضخامة، ووصلت الميزانية التراكمية لها جميعا إلى عشرة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لآيسلندا، وأتت غالبية هذه الأموال من التمويل قصير الأمد. وهكذا ظن القادة السياسيون لآيسلندا أن بلادهم اكتشفت سبيلا جديدا للازدهار الاقتصادي، لكنهم في أكتوبر 2008 اكتشفوا الحقيقة القاسية: الأرباح الهائلة تنطوي على مخاطر هائلة. انهارت بنوك آيسلندا، ودخل الاقتصاد في ركود عميق.

هذه المحاولة الآيسلندية لإدارة شؤون دولة بأكملها كما لو كانت صندوق تحوط ربما تثير الرغبة في الضحك أو ربما الرغبة في البكاء. لكن الحقيقة المرة هي أن الولايات المتحدة والكثير من الدول الأوروبية تصرفت على نحو مشابه من خلال السماح أو التشجيع لبعض فئات القطاع المصرفي بالدخول في استثمارات تنطوي على الكثير من المخاطر. وقد تبدى هذا في الإفراط في تقديم القروض لمجموعات من الحكومات، ومطوري العقارات، والعائلات.


طفرة – انهيار – إنقاذ
يمكن أن نختلف على الأسباب المحددة لأي أزمة. البعض يلقون باللوم في نشوء دورة (طفرة – انهيار – إنقاذ) التي ظهرت في أوروبا والولايات المتحدة على المصرفيين الذين استولوا على قلوب المسؤولين الحكوميين وعقولهم، بينما يشدد آخرون على أن اللائمة يجب أن تلقى على المسؤولين الحكوميين وحدهم. وبغض النظر عن الرأي الذي تتبناه، فإن علينا أن نتفق على شيء واحد: يجب أن يتحمل أحد ما مسؤولية هذه الفوضى.

هناك ثلاث فئات يمكن أن تتحمل نفقات إنهاء الأزمة:
أولا، من البديهي أن تتجه أصابع الاتهام إلى الأفراد الذين كانوا في بؤرة الكارثة، فهم الذين شيدوا المؤسسات المالية العملاقة وأساؤوا إدارة المخاطر.

لكن المشكلة هنا تكمن في أننا لو قمنا بسحب جميع الأرباح التي جناها أفراد هذه المجموعة، فإننا سنكتشف أن ما جنوه من أموال لم يكن ليشكل فارقا كبيرا على أية حال. فقد أجرى الأساتذة المتخصصون في التمويل سانجاي باغات (جامعة كولورادو) وبريان بولتون (جامعة بورتلاند) في السنة الماضية دراسة توصلوا من خلالها إلى أن ما تقاضاه المديرون التنفيذيون لأكبر 14 شركة مالية أمريكية ما يقارب 2.5 مليار دولار نقدا (رواتب ومكافآت وخيارات أسهم) بين عامي 2000 و2008.

لا شك في أن المبلغ كبير، لكنه مجرد نقطة في دلو إذا كنا نتحدث عن الخسائر التي مني بها التوازن المالي الاجتماعي للبلاد. ووفقا لمكتب الموازنة بالكونغرس، فقد ارتفعت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي للأمد المتوسط بنسبة تقارب 50 بالمائة، أو ما يعادل 7 تريليونات دولار، بسبب الأزمة. (كاتب المقال: أنا شخصيا عضو في لجنة المستشارين الاقتصاديين في مكتب الموازنة بالكونغرس لكنني لست على صلة بهذه التقديرات، والتي تم حسابها بناء على مقارنة تقديرات الدين في يناير 2008 بها في 2018 وتم إصدار النسخة المراجعة في يناير 2010).

وسوف تتضخم الخسائر الاقتصادية الحقيقية إذا احتسبنا أيضا انخفاض النمو الاقتصادي، وفقدان الوظائف، واضطراب حياة المواطنين. وسوف يتم ترحيل جزء من الديون المتزايدة إلى الأجيال المقبلة على أمل أنهم سيكونون أكثر ثراء، وربما أكثر حظا، منا نحن.

لكن مستويات الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في الكثير من الدول الصناعية كانت مرتفعة بالفعل، وقد أدى ارتفاع الدين –الناتج عادة عن العوائد الضريبية المهدورة بسبب الركود – إلى جرنا داخل المنطقة الحمراء. علينا أن نخفض العجز ونضع الدين في مسار أكثر استدامة.

وهكذا فإن الحقيقة هي أن أولئك “المسؤولين” عن الأزمة لم يملكوا قط ما يكفي من المال لإخراجنا منها.

الفقراء
ثانيا، بوسعنا أن نفرض ضرائب جديدة على الفقراء. قد يبدو هذا الاقتراح مفاجئا، لكن الواقع هو أن الناس القابعين في أدنى درجات توزيع الدخل والثروة هم الأكثر معاناة من الأزمات المالية الكبرى. عادة ما يفتقر هؤلاء للتنظيم الجيد ولا يتمتعون بأي نفوذ سياسي. ويمكن الاقتطاع منهم بتقليص إمكانية وصولهم للرعاية الصحية، على سبيل المثال، أو بتسريح المعلمين، مما يؤدي للإضرار بجودة التعليم العام.

ولعل السياسي الوحيد الذي سمعته يتحدث عن هذه النقطة بصورة مباشرة هو وزير المالية الآيسلندي ستاينريمور سيغفوسون. ففي خطاب ناري ألقاه أمام مؤتمر صندوق النقد الدولي بالعاصمة ريكيافيك في 27 أكتوبر الماضي، أوضح سيغفوسون أنه سوف يفعل كل ما بوسعه لحماية المواطنين ذوي الدخل المنخفض في آيسلندا. (لسوء الحظ لم يرد خطابه ضمن التغطية المتحيزة لصندوق النقد حول المؤتمر. وقد قدم الوزير في ورقته أيضا شرحا مفصلا عما حدث في آيسلندا، بما في ذلك التغيرات التي طرأت على توزيع الدخل).

وزير المالية الآيسلندي هو في الأصل عالم جيولوجيا، وسائق شاحنة سابق وسياسي قوي. لم يتورط حزبه في الانهيار المالي وبالتالي فإن السياسة التي تحدث عنها يمكن أن تلقى قبولا. معظم وزراء المالية الآخرين يفتقرون إلى الوضوح فيما يتعلق بهذه القضية.


الطبقة الوسطى
وحتى لو استطعنا أن نضغط على الفقراء إلى حد معين، فإن فاتورة الجزار ستبقى مرتفعة. فاليونان لا تستطيع إعادة موازنتها إلى المسار الصحيح بمجرد تخفيض مخصصات الفقراء، وهذا هو السبب في نزول نقابات موظفي القطاع العام وبعض الأفراد من ذوي الدخل الجيد إلى الشارع للتظاهر.

أما المجموعة الثالثة فتضم، بالطبع، ما تبقى منا. إن الطبقة الوسطى في الولايات المتحدة وأوروبا كبيرة الحجم، بل إنها تعتبر ثرية وفق المعايير التاريخية. إذ يستطيع أفرادها دفع ضرائب أكبر أو استلام مخصصات أقل من الحكومة. والواقع أن هناك الكثير من المخصصات التي يعج بها نظام التحويلات المالية في بلادنا.

ليس تعديل الموازنة أمرا صعبا. إن الامتناع عن تمديد الاقتطاعات الضريبية التي أقرتها إدارة الرئيس بوش، والتي توشك على الانتهاء في نهاية هذا العام، سوف يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح. كما أن عدم التمديد ممكن من الناحية السياسية، لأن التمديد سوف يتطلب موافقة جناحي الكونغرس معا فضلا عن الرئيس.

لكن ما مدى مشروعية تقليص الدعم هنا وهناك أو رفع الضرائب؟ لم يكن أي واحد منا سببا في وقوع الأزمة، والكثير منا لم ينفقوا بشكل مفرط حتى في أكثر الأحوال الاقتصادية انتعاشا.

فلنكن صادقين. نحن جميعا نخوض المعارك الآن للمحافظة على امتيازاتنا الحكومية والضريبية. لا تملك آيسلندا أي خيار سوى تخفيض الدعم، لأن حجم الأزمة فيها أكثر من هائل. كما أن اليونان تسير في الاتجاه نفسه، ويمكن أن تتبعهما قريبا دول مثل إيطاليا وفرنسا.

إن السماح للأسواق المالية بإجبار الحكومات على اتخاذ إجراءات تقشفية ليس بالخيار الذكي، بل إنه أسلوب مكلف جدا وغير فعال في إجراء الإصلاحات المالية المطلوبة. لكنه في بعض الأحيان يمثل السبيل الوحيد لإنهاء الاحتقان السياسي وفرض القرارات الصعبة، وآيسلندا واليونان خير شاهدتين على ذلك.


ليست هناك تعليقات: