السبت، نوفمبر 19، 2011

كيف ابتدعت الشركات الكبرى المناطق الزمنية الأمريكية




في ظهيرة يوم 18 نوفمبر 1888 تعرف الأمريكيون لأول مرة على ما يسمى توقيت السكك الحديدية الموحد، والذي كان من بنات أفكار عدد من مسؤولي السكك الحديدية كانوا قد عقدوا اجتماعا لهم في شيكاغو خلال الشهر المنصرم. ولكي يتوصل هؤلاء إلى تنظيم أعمالهم المزدهرة آنذاك وتوسيع نطاقها، اتفقوا على تقسيم الولايات المتحدة إلى أربع مناطق زمنية على امتداد أربعة خطوط للطول هي 75، و90، و105 و120 على التوالي


لم يكن ذلك القرار ينطبق إلا على رحلات القطارات، وهي كل ما كان يخضع لسلطتهم. لكن تأثير ذلك القرار امتد فيما بعد ليطال حياة جميع الأمريكيين دون استثناء.


وفي ذلك اليوم نفسه، قام المرصد البحري بتعديل إشاراته البرقية (التلغرافية) لتتواءم مع النظام الجديد. وسرعان ما أخذت الولايات واحدة تلو أخرى في اعتماد هذه المناطق الزمنية. وهكذا أفلحت حفنة من رجال الأعمال في إقناع الأمريكيين بتغيير طريقة حسابهم للزمن، وكان ذلك مثالا جليا ومبكرا على قدرة الشركات الكبرى على ممارسة التأثير على أبسط جوانب الحياة العامة.



كان الأمريكيون يستعينون بموضع الشمس لضبط ساعاتهم، وهذا يعني أن الوقت كان يختلف من مكان لآخر. ولم يكن لدى غالبية المواطنين ما يشتكون منه بهذا الخصوص عند السفر لأنهم لم يكونوا على عجلة من أمرهم إلا نادرا .


إلا أن القطارات كانت الأولى من بين وسائل النقل التي بدأت بالعمل وفق جداول زمنية ثابتة. كان المسافرون إلى الشرق أو الغرب ينتقلون من قطار إلى آخر لاستكمال رحلاتهم، ومن هنا ظهرت استحالة تنسيق مواعيد القطارات وفقا للأوقات المحلية. على سبيل المثال، عندما تكون الساعة 12.00 ظهرا في شيكاغو فإنها تكون 11.27 في أوماها-نبراسكا، و11.50 في سانت لويس، و12.09 في لويسفيل- كنتاكي، و12.31 في بتسبيرغ. وفي ظل هذا النظام كان يتعين على شركة يونيون باسيفيك للسكك الحديدية أن تتعامل مع ستة أوقات محلية مختلفة. وكانت ولاية إلينوي تشتهر بوجود 27 توقيتا محليا على أراضيها وكان في وسكونسن 28 توقيتا.
.

كانت الشركات الكبيرة قد بدأت للتو بالظهور في الولايات المتحدة في ثمانينيات القرن التاسع عشر، وكانت الشركات المالكة لخطوط السكك الحديدية هي الأضخم بلا منازع. لقد عملت هذه الشركات على تغيير حياة الأمريكيين، الذين أخذ البعض منهم يضيقون ذرعا بتصاعد سلطانها ونفوذها في وقت لم تكن فيه واشنطن نفسها تتدخل في شؤون المواطنين. لم يقبل الجميع بالنظام الجديد، بل إن أحد الكتاب قال ساخرا إنه سيضبط ساعته وفق “توقيت الرب..لا توقيت فاندربلت.


لكن استمرار توسع السكك الحديدية جعل من ضبط مواعيد رحلات القطارات أمرا بالغ الأهمية. ومثلت المناطق الزمنية الموحدة حلا منطقيا جدا في فترة شهدت طفرة كبيرة في عدد سكان البلاد وأصبح اقتصادها أكثر تكاملا. وعندما قرر الكونغرس رسميا اعتماد المناطق الزمنية الجديدة في 18 مارس 1918، وذلك بإقرار قانون التوقيت الموحد الذي عرف باسم قانون كالدر، كان العمل بمفهوم التوقيت الموحد قد ترسخ منذ وقت طويل 
.
إن قدرة قطاع واحد من الأعمال، مهما كان كبير الحجم، على إحداث تغيير بهذا العمق في عادات الشعب الأمريكي تعتبر إنجازا عظيما. لقد كان قطاع السكك الحديدية قطاعا محافظا، بل خاملا، لكن قادته كانوا يتمتعون بالقدرة على الخروج بأفكار كبرى.


*أستاذ متقاعد للتاريخ بجامعة رود آيلاند، ألف 16 كتابا في التاريخ الأمريكي.

ليست هناك تعليقات: