الجمعة، مارس 02، 2012

الدور الأمريكي في انتخابات روسيا



بالنظر إلى التصريحات الصادرة عن عدد غير قليل من الساسة والصحافيين الأمريكيين، يمكن القول إن الولايات المتحدة مهتمة إلى حد كبير بالانتخابات الرئاسية الوشيكة في روسيا. كما يمكن القول أيضا إن الكثيرين في واشنطن مستاؤون من عودة فلاديمير بوتين إلى الكرملين. لكن ثمة مجموعة من الأسباب الأخلاقية والعملية التي تجعل من الأفضل للولايات المتحدة تجنب التدخل الزائد في هذه الانتخابات.

ينطوي استخدام مفردة "الأخلاق" على قدر من التناقض عند الحديث عن السياسات الانتخابية. وإن إلقاء نظرة سريعة على الحملات الانتخابية الأمريكية في الماضي والحاضر، الرئاسية على وجه الخصوص، كفيل بتقويض أي محاولة لاعتبار الانتخابات الأمريكية نموذجا يحتذى بالنسبة للدول الأخرى. الانتخابات الأمريكية مملوءة حيوية ونشاطا وقدرة على الإدهاش، لكنها ليست بالتأكيد نموذجا يتبعه الآخرون.

تقوم الحملات الانتخابية الأمريكية على عدة محاور من أهمها مقدار المال الذي يتم جمعه وإنفاقه، وخاصة المبالغ التي تنفق لتشويه سمعة الخصم. هل هذا ما نريد أن نعلمه للروس من خلال برامج "نشر الديمقراطية" التي يتحمل تكاليفها دافعو الضرائب الأمريكيون؟ والغريب أننا نغطي تكاليف هذه البرامج باقتراض الأموال من الصين، وهي التي تعد متأخرة جدا في تطبيق الديمقراطية عند مقارنتها بروسيا.


أما بالنسبة للنتائج الحقيقية للجهود التي نبذلها، فهي لا تخرج في العادة عن إطار كونها نتائج عكسية. فنحن عند الحديث عن العلاقة بين واشنطن وموسكو ننسى دائما كلمات الرئيس توماس جيفرسون: "نحن لا نرغب في التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة"، وهي قاعدة لا تخلو بالطبع من استثناءات. على سبيل المثال، عندما تمثل دولة معينة تهديدا لأمن الولايات المتحدة ومصالحها الحيوية فإن هذا التدخل لا يكون حينئذ مبررا فحسب بل يكون ضروريا لا محالة.

لا أحد ينكر أن الاتحاد السوفيتي كان يمثل تهديدا من هذا النوع وبالتالي فإن التدخل في شؤونه الداخلية كان مبررا بالكامل. كانت إذاعات صوت أميركا وبي بي سي وصوت الحرية، وإدخال الكتب الممنوعة إلى الأراضي السوفيتية وغير ذلك من الإجراءات جزءا من الصراع الأيديولوجي مع الشيوعية.

وفي ذات السياق، كان الاتحاد السوفيتي – بالرغم من تدني مستوى المعيشة فيه – ينفق من الأموال على التدخل في الشؤون الداخلية الأمريكية أكثر مما كانت الولايات المتحدة تنفق على التدخل في شؤونه الداخلية، وهذا يشمل تمويل الحزب الشيوعي الأمريكي وغيره من حركات السلام والمبادرات اليسارية المختلفة.

لكن الولايات المتحدة وروسيا لم تعودا عدوتين اليوم، بل إن الشراكة بينهما قائمة في مجالات عديدة منها الحرب ضد طالبان في أفغانستان ومواجهة الإرهاب العالمي واستكشاف الفضاء وغير ذلك كثير.

إن روسيا اليوم لا تتدخل في الشؤون الداخلية الأمريكية، وعلى الولايات المتحدة أن تبدي الموقف نفسه تجاه الروس. إن من شأن تدخلنا في الشؤون الداخلية لروسيا أن يضر بالمصالح الأمريكية لأنه يثير غضب الروس – شعبا وقيادة على حد سواء – ويدفعهم إلى الارتماء في أحضان الصين المفتوحة لهم على اتساعها.

ذكر الأستاذ في جامعة نيويورك ستيفن كوهين، وهو من أبرز الخبراء في العلاقات الأمريكية الروسية، ذكر في أحد تصريحاته مؤخرا أثناء مناقشات مائدة مستديرة انعقدت في واشنطن أن الولايات المتحدة أضاعت عددا كبيرا من الفرص لتحسين علاقتها بموسكو منذ هجمات سبتمبر 2001. إذ بينما قدمت روسيا الدعم للجيش الأمريكي في العمليات التي شنها بأفغانستان إثر هجوم القاعدة على الولايات المتحدة، كانت الولايات المتحدة تواصل التدخل في العلاقات بين روسيا وبقية دول الاتحاد السوفيتي السابق عبر إصرارها على وصول الرقعة الجغرافية لحلف النيتو إلى الحدود الروسية، إضافة إلى قيامها بإلغاء معاهدة حظر الصواريخ البالستية وتكثيف خطط الدفاع الصاروخي في أوروبا الشرقية.

وبينما تفهمت روسيا واحترمت المخاوف الأمنية الأمريكية بعد أحداث سبتمبر، لم يبادر البيت الأبيض إلى رد الجميل للكرملين.

لقد آن الأوان لكي تتوقف الولايات المتحدة عن إضاعة المزيد من الفرص لبناء علاقة قوية وطويلة المدى مع موسكو واعتبار روسيا شريكا استراتيجيا فعالا وجديرا بالثقة في مواجهة التحديات التي يمثلها صعود الصين والتطرف الإسلامي المتجدد. ولكي تكون العلاقة مبنية على الثقة والاحترام المتبادلين، علينا أن ندع الروس يتولون الاهتمام بمستقبل روسيا.

على الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى أن تركز على تنمية التعاون الإيجابي والمثمر مع روسيا في مختلف المجالات – الاقتصاد، الأمن، العلوم، التكنولوجيا، التبادل الثقافي – وعلى العمل بفعالية مع القادة الذين يختارهم الروس دون تدخل خارجي.


* مدير الجامعة الأمريكية في موسكو، وهو أستاذ في قسم السياسات الدولية بجامعة موسكو.

ليست هناك تعليقات: