الأربعاء، أغسطس 24، 2011

مذكرات نكرة- الحلقة الثانية عشرة


28 أبريل – الشاب الصغير "بيت" الذي تصرف معي بوقاحة في العمل قبل أسبوع، حضر اليوم متأخرا مرة أخرى، فقلت له إنه سيكون من واجبي أن أخبر مديرنا السيد "بيركب" بما جرى. ولدهشتي الشديدة، اعتذر بيت بتواضع جم وبأسلوب مهذب للغاية. والحقيقة أنني سررت كثيرا  لمشاهدة هذا التحسن في تعامله معي، فما كان مني إلا أن وعدته بالتغاضي عن إهماله. وبعد ساعة، وبينما كنت مارا أثناء سيري بالمكتب أصابتني في وجهي بغتة ورقة مطوية على شكل كرة صلبة. استدرت بسرعة لأرى مصدرها لكن جميع الكتبة بدوا منهمكين في أعمالهم. أنا لست رجلا ثريا، لكنني على استعداد لأن أمنح نصف ممتلكاتي لمعرفة إن كانت تلك الورقة قد قذفت باتجاهي قصدا أو عرضا. غادرت العمل مبكرا واشتريت المزيد من طلاء المينا – أسود اللون هذه المرة – وقضيت المساء في طلاء سياج المدفأة. وطليت أيضا زوجا قديما من الأحذية فبديا كما لو كانا جديدين. ودهنت أيضا العصا التي يتوكأ عليها غوينغ في سيره فبدت كما لو كانت من خشب الأبنوس الفاخر.


29 أبريل، الأحد – أفقت من النوم وفي رأسي صداع رهيب وفي جسمي أعراض الحمى. علقت كاري على الأمر، بعنادها المعهود، بالقول إن ما أصابني هو "مغص الدهانين" وأنني أصبت به لأنني قضيت ساعات طويلة أستنشق روائح الطلاء. قلت لها بحزم إنني أكثر دراية منها بما أصابني. كل ما في الأمر نزلة برد، لذا فقد قررت أن أستحم بماء ساخنة قدر الإمكان. جهزت الحمام وكانت حرارة الماء لا تطاق. تمالكت نفسي وغطست جسمي فيه؛ ساخن جدا لكنه مقبول. مكثت ساكنا لبعض الوقت.

وعندما رفعت يدي فوق سطح الماء عشت أشد حالة فزع شعرت بها في تاريخ حياتي بأكمله. فقد اعتراني رعب شديد وأنا أنظر إلى يدي وقد تلطخت بلون أحمر قان كأنما كانت تسبح في بركة من الدم. تبادر إلى ذهني في البداية أن أحد شراييني قد انقطع، وأنني سوف أنزف حتى الموت، وعندما يتم اكتشاف موتي في وقت لاحق سوف أكون أشبه بـ (مارات)* الذي سبق وأن رأيته في متحف مدام توسو**. بعد برهة خطر ببالي أن أقرع الجرس، ثم تذكرت أن ليس ثمة جرس لأقرعه. ثم توصلت أخيرا إلى أن طلاء المينا، ولا شيء سواه، لا بد أنه قد ذاب في الماء المغلي. خرجت من حوض الاستحمام وأنا أنظر إلى جسدي وقد احمر لونه بالكامل. وتذكرت الهنود الحمر الذين شاهدت تجسيدا لهم في إحدى مسرحيات إيست- إند. قررت أن لا أخبر كاري بكلمة عما جرى، وأن أطلب من فارمرسون أن يأتي يوم الإثنين ويطلي حوض الاستحمام باللون الأبيض.

يتبع..



*جان بول مارات (1743-1793): طبيب وصحفي وعالم فرنسي بروسي المولد، لعب دورا كبيرا إبان الثورة الفرنسية، وكان قبيل وفاته واحدا من أهم ثلاثة رجال في فرنسا: دانتون، وروبسبيير، ومارات. عثر عليه مقتولا في حوض استحمامه في 13 يوليو 1793 (المترجم).
**آنا ماريا توسو (1761-1850): فنانة سويسرية اشتهرت بصناعة التماثيل الشمعية. أسست في لندن متحفا عرف باسم "متحف مدام توسو"، وهو الآن أحد أشهر متاحف العاصمة البريطانية (المترجم).

ليست هناك تعليقات: