الاثنين، أغسطس 29، 2011

امنحوا كارل ماركس فرصة لإنقاذ الاقتصاد العالمي



جورج ماغنوس*

يجدر بصناع القرار الذين يجهدون لفهم وابل الكوارث المالية والاحتجاجات وغيرها من الأدواء التي تصيب العالم أن يدرسوا أعمال اقتصادي توفي منذ زمن بعيد: كارل ماركس. وكلما سارعوا إلى إدراك أن ما نواجهه هو أزمة رأسمالية غير مسبوقة، كانت احتمالية نجاحهم في الخروج منها أكبر.

لقد خرجت روح ماركس من قبره، وهو مدفون في مقبرة قريبة من مسكني في شمال لندن، إبان الأزمة المالية وما تلاها من تراجع اقتصادي. ورغم أن التحليل الذي وضعه هذا الفيلسوف المراوغ للرأسمالية يحوي الكثير من جوانب الخلل، فإن الاقتصاد العالمي اليوم يحمل عددا من وجوه الشبه مع الظروف التي توقع حدوثها.

فلنأخذ على سبيل المثال ما تنبأ به ماركس من أن الصراع الفطري بين أصحاب رأس المال والعمال سوف يكشف عن نفسه. وكما في كتابه "رأس المال"، فإن السعي المتواصل للشركات لزيادة الأرباح والإنتاجية سوف يؤدي بها إلى تقليص الحاجة للعمال شيئا فشيئا، بما يوجد "جيشا احتياطيا صناعيا" من الفقراء والعاطلين عن العمل: "إن تراكم الثروة لدى قطب واحد هو ،في الوقت نفسه، تراكم للتعاسة".


وهذه العملية التي يصفها حاضرة في جميع أنحاء العالم المتقدم، خاصة في الولايات المتحدة. فقد أدت الجهود التي بذلتها الشركات في سبيل تخفيض النفقات والامتناع عن التوظيف إلى ارتفاع نسبة أرباح الشركات الأمريكية إلى الناتج الاقتصادي الإجمالي إلى أعلى مستوى لها في أكثر من ستة عقود، بينما وصلت نسبة البطالة إلى 9.1 بالمائة وتجمدت الأجور الحقيقية دون تغيير.

وفي الوقت نفسه، وصل تباين الدخل في الولايات المتحدة وفق بعض المقاييس إلى أعلى مستوى له منذ عشرينيات القرن الماضي. وقبل العام 2008 لم يكن التفاوت في الدخل واضحا بسبب عوامل من قبيل الائتمان الميسر، والذي سمح للأسر الفقيرة بالتمتع بأنماط حياة أكثر رفاهية. أما الآن فلا بد من تحمل تبعات الماضي.

أحجية فائض الإنتاج
وكان ماركس قد أشار أيضا إلى أحجية فائض الإنتاج ونقص الاستهلاك: كلما ازداد الناس فقرا صاروا أقل قدرة على استهلاك السلع والخدمات التي تنتجها الشركات. وعندما تخفض إحدى الشركات نفقاتها بهدف زيادة الأرباح فإنها تكون قد اتخذت خطوة ذكية، لكنها بذلك تكون أيضا قد قوضت أسس تكوين الدخل والطلب الفعال والتي تعتمد عليها كل من العوائد والأرباح.

هذه المسألة، أيضا، قائمة بوضوح في العالم المتقدم اليوم. إننا نمتلك قدرة لامتناهية على الإنتاج لكننا نجد أن الطبقات ذات الدخل المتوسط والمنخفض تعاني من انعدام الاستقرار المالي وانخفاض نسب الاستهلاك. ويتجلى هذا في الولايات المتحدة حيث ما تزال مبيعات المباني السكنية الجديدة والسيارات تقل بنسبة 75% و30% على التوالي عن أعلى مستوياتها في العام 2006.

وكما قال ماركس في (رأس المال): " إن السبب الحقيقي لكافة الأزمات هو فقر الجماهير وتقييد استهلاكها".

مواجهة الأزمة
كيف لنا أن نواجه هذه الأزمة؟ إذا أراد صناع القرار أن يعيدوا روح ماركس إلى مكانها فعليهم أن يضعوا الوظائف على رأس الأولويات الاقتصادية ويفكروا في حلول أخرى مبتكرة. هذه الأزمة ليست مؤقتة، وبالتأكيد لن يحلها الشغف الحكومي القديم بتخفيض النفقات.

فيما يلي خمسة بنود لاستراتيجية لم يحن وقتها بعد، للأسف:

أولا: علينا أن نعمل على استدامة نمو الدخل والطلب معا، وإلا فسوف نسقط في فخ من الديون مع كل العواقب الاجتماعية لذلك. على الحكومات التي لا تواجه مشكلات وشيكة متعلقة بالديون – مثل الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة – أن تجعل خلق فرص العمل معيارا لتقييم سياساتها. ففي الولايات المتحدة، تراجعت نسبة التوظيف إلى عدد السكان إلى الحضيض الذي غرقت فيه خلال الثمانينيات. ويمكن اتخاذ خطوات أولية في سبيل تحقيق هذا الهدف عبر تخفيض الضرائب على جداول الرواتب لأصحاب الأعمال وإيجاد محفزات مالية لتشجيع الشركات على توظيف الأفراد والاستثمار.

تخفيف الأعباء
ثانيا: من أجل تخفيف أعباء الديون عن الأسر، ينبغي اتخاذ خطوات جديدة بما يتيح للأسر القادرة إعادة هيكلة ديون الرهن العقاري الخاصة المستحقة عليها، أو الاستفادة من شطب بعض الدفعات المستقبلية للدائنين من القيم التقديرية لأسعار المنازل.

ثالثا:  بهدف تطوير أداء النظام الائتماني، ينبغي السماح للبنوك ذات الوضع المالي والهيكلي الجيد بالحصول على بعض المساعدات لتثبيت كفاية رأس المال بما يتيح لها السعي لتوفير سيولة ائتمانية جديدة للشركات الصغيرة على وجه الخصوص. ويمكن أن تتدخل الحكومات أو البنوك المركزية في الإنفاق المباشر أو التمويل غير المباشر للاستثمارات الوطنية أو برامج البنية التحتية.

رابعا: من أجل تخفيف عبء الديون السيادية في منطقة اليورو، على الدائنين الأوروبيين أن يطبقوا الإجراءات المقترحة حاليا لصالح اليونان والمتمثلة في تخفيض الفوائد وتمديد فترات السداد. وإذا كان من الصعب إصدار سندات باليورو ذات ضمان مشترك فإن على ألمانيا أن تبادر إلى إعادة رسملة بنوكها للمساعدة في امتصاص الخسائر التي ستتكبدها من خلال الآلية الموسعة للاستقرار المالي الأوروبي، وهو شرط لا بد منه لحل أزمة أسواق السندات على الأقل.

بناء الدفاعات
خامسا: من أجل بناء الدفاعات في مواجهة مخاطر الانكماش والركود، على البنوك المركزية أن تتطلع إلى ما وراء برامج شراء السندات، وأن تركز بدلا من ذلك على نسبة نمو الناتج الاقتصادي الاسمي. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تضخم مرتفع نسبيا لفترة مؤقتة سيدفع بدوره إلى انخفاض أسعار الفائدة المرتبطة بالتضخم إلى ما دون الصفر ويسهل من تخفيف أعباء الديون.

ليس بوسعنا أن نعلم مدى نجاعة هذه المقترحات أو ما إذا كانت ستؤدي إلى عواقب غير محسوبة. لكن استمرار الوضع الحالي غير مقبول أيضا؛ فالولايات المتحدة مهددة بالتحول إلى نسخة أكثر اضطرابا من اليابان، ومنطقة اليورو مهددة بالتفسخ مع عواقب سياسية لا يمكن التنبؤ بها. وبحلول العالم 2013، من المحتمل أن تنتقل أزمة الغرب الرأسمالي بسهولة إلى الصين، وهذا موضوع آخر.


*أحد كبار المستشارين الاقتصاديين لدى بنك UBS ومؤلف كتاب "الثورة: هل ستشكل الأسواق الناشئة الاقتصاد العالمي أم ستهزه؟"


ليست هناك تعليقات: