فرجينيا بوسترل
إذا أردنا أن ندرك الأهمية الثقافية التي يمثلها ستيف جوبز فعلينا أن نرجع بالزمن إلى الوراء: إلى ما قبل الآيباد أو الآيفون أو الآيتونز، قبل أن تجعل منتجات أبل أي شيء يبدأ اسمه بحرف (آي) جميلا، قبل أن يطرد ستيف جوبز من أبل، وحتى قبل الضربة القاضية التي وجهتها ماكنتوش للأخ الأكبر.
نحن الآن في العام 1981. معظم الناس لم يسمعوا بوادي السيليكون أصلا. أشهر رجال الأعمال في أميركا هو لي أياكوكا رئيس شركة كرايسلر. وقد حظي بشهرة كبيرة بعد أن قام في العام 1979 بترتيب خطة للإنقاذ الحكومي –عبر ضمانات القروض- نجت الشركة بفضلها من الإفلاس. وهو أيضا مشهور لأنه، بخلاف معظم أقرانه، مفعم بالحيوية. ويبدو أنه يؤمن بما يفعل.
في العام 1981 لم يكن رجال الأعمال يتميزون بشخصياتهم ولا بميولهم. كانت العامة تنظر إلى الأعمال باعتبارها نشاطات مملة وباردة ومشبوهة في بعض الأحيان. كانت الأهمية الوحيدة للأعمال تتبدى في الناحية المالية.
يقول توم ولف في مقابلة مع صحيفة وول ستريت جورنال: "لقد تخلى رجال الأعمال عن القناعة بأن ما يفعلونه ممتع أو باهر، أو بكلمات أخرى: يستحق الجهد المبذول في سبيله".
لكن هذا كله كان في سبيله للتغير.
في الثمانينيات تحول رجال الأعمال إلى أبطال ومشاهير ونماذج تحتذى. لقد أصبح الصبيان المزعجان القادمان من أبل، ستيف جوبز وستيف وزنياك، الوجه الجديد للأعمال.
لا شك في أن جاذبية المال كانت لا تقاوم (أن تصبح مليونيرا قبل أن تبلغ سن الثلاثين!) لكن الأمر كان أكبر من ذلك بكثير. لقد كان المحرك خليطا من السعي للوصول إلى السعادة وتحقيق الذات وهو ذاته ما انتقده عالم الاجتماع دانييل بيل بوصفه "التناقض الثقافي للرأسمالية".
"إنها طريقة مهذبة للعب". هكذا قال ديفيد هاوس الذي كان مديرا لقسم المعالجات الدقيقة في شركة إنتل في العام 1982 عندما التقطت إحدى المجلات صورته شبه عار مع صديقته في حوض استحمام. لم يكن هاوس يتحدث عن مغامراته في حوض الاستحمام بل كان يتحدث عن السبب الذي دعاه للاستمرار في العمل على الرغم من أنه لم يعد يعرف ما يصنع بالأموال الطائلة التي يملكها.
في الثمانينيات أصبحت الأعمال عالما من الشغف والميول الشخصية والمفاجآت أيضا. لم يعد بالإمكان التنبؤ بمكان حدوث التطورات الكبرى: بنتوفيل (أركنساس) وممفيس (تنيسي) وبورتلاند (أوريغون) أو بالطبع كوبيرتينو (كاليفورنيا) وريدموند (واشنطن). لم تعد روح وادي السليكون مجرد حقيقة متجسدة في الأعمال اليومية بل باتت معيارا ثقافيا بحد ذاتها.
قال ستيف جوبز في مقابلة مع مجلة نيوزويك بعد طرده من آبل في العام 1985 "لقد كانت آبل تتصف بمواصفات شركات وادي السيليكون لأقصى حد ممكن". والواقع أننا لم نكن لنسمع بجوبز على الإطلاق لو أنه ولد وترعرع في نيويورك، بل إنه نشأ وهو على علم بما قام به ديفيد باكارد وبيل هيوليت عندما أسسا مشروعهما في مرآب للسيارات. وبمجرد دخوله سن المراهقة اتصل بهيوليت، الذي كان رقم هاتفه المنزلي مدرجا في دليل الهاتف، وحصل على وظيفة في شركة HP.
"لقد كانت هيوليت-باكارد قدوتنا"، هكذا قال في العام 1985. لكن آبل نمت بسرعة أكبر بكثير.
باتت الأعمال شبيهة بالرياضة أو الأزياء: موضوعا للأحاديث الاجتماعية، مصدرا للاهتمام العميق وتعبيرا عن الذوق الشخصي. لم يكن أحد ليصدق في العام 1981 أن حربا ثقافية، وربما دينية، ستنشب بين أنصار آبل وأنصار مايكروسوفت. كان ذلك أقرب إلى تصور رجل أعمال يظهر على الملأ دون ربطة عنق.
أما الآن فقد ابتعد الناس كثيرا عن البدلات الفاخرة، وحتى أولئك الذين يعملون في مجالات بعيدة جدا أو مختلفة تماما نجدهم يتحدثون بحماس عن الاستراتيجيات التي ينبغي أن تتبعها آبل أو مايكروسوفت أو جنرال موتورز أو وول مارت أو أمازون.
"سوف تشغل وظائفكم حيزا كبيرا في حياتكم، والسبيل الوحيدة لترضوا عن أنفسكم هي أن تقوموا بما تعتقدون أنه عمل عظيم" هذه الكلمات ألقاها جوبز في خطاب بافتتاح السنة الدراسية 2005 في جامعة ستانفورد، وكثيرا ما تنقل هذه الكلمات عنه هذه الأيام. "والسبيل الوحيدة للقيام بعمل عظيم هي أن تحبوا ما تفعلون. إذا لم تعثروا عليه بعد فاستمروا في البحث. لا تيأسوا".
هذه الفلسفة الملهمة تنطوي على مقاربة المجد وتحقيق الذات، لكنها في الوقت نفسه تنطوي على شعور دائم بعدم الرضا. فإذا كان العمل ينطوي على أكثر من مجرد جمع المال، وإذا كان العمل يتعلق بالعثور على الحب الحقيقي وترك بصمة ثقافية، فإن درجة المخاطرة ستكون أعلى بكثير. سوف يصبح العمل مطابقا للهوية.
لم يسأل أحد لماذا استمر ستيف جوبز في العمل بعد أن أصبح ثريا. لقد أدرك الجميع السبب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق