الاثنين، مايو 07، 2012

عندما يقف النفط إلى جانب الاستبداد


تنصيب فلاديمير بوتين رئيساً لروسيا لفترة ثالثة اليوم بعد انتصاره في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي جرت في مارس الماضي يثبت أن هذا الرجل يتمتع بالدهاء والمهارة، وأنه رجل محظوظ أيضاً على نحو مثير للقلق.

ويتجلى الحظ الذي يتمتع به بوتين في التوقيت الذي اختاره؛ فمصير الاقتصاد الروسي – وشعبية قادته أيضاً – مرتبط إلى حد كبير بأسعار النفط والغاز، حيث تستحوذ هاتان السلعتان على حوالي ثلثي صادرات روسيا وما يقارب نصف إيرادات الحكومة الاتحادية.

تولى بوتين رئاسة الوزراء لأول مرة في عهد الرئيس الراحل بوريس يلتسين في أغسطس 1999، وكانت أسعار النفط العالمية آنذاك قد ارتفعت قليلاً عن أدنى مستوى لها منذ مطلع السبعينيات. ومع انقضاء الفترتين الرئاسيتين الأولى والثانية لبوتين كانت الأسعار العالمية لكل من النفط والغاز قد تضاعفت ثلاث مرات. وتدفقت أنهار من الأموال بفعل هذا الارتفاع الكبير فازدهر الاقتصاد الروسي وارتفعت الدخول وتحول عجز الموازنة إلى فائض. وعندما ترك بوتين منصب الرئاسة لصالح حليفه دميتري مدفيديف عام 2008 كانت معدلات الرضا الشعبي عن سياساته عند مستوى مذهل بلغ 85 بالمائة. لذا فليس من المستغرب أن يستدعي الناخبون الروس ذكريات طيبة عن أيام توليه منصب الرئاسة.


ولئن كان الارتفاع الذي شهدته أسعار النفط والغاز خلال العقد المنصرم مفيداً للاقتصاد الروسي فقد كان ضاراً للديمقراطية الروسية أيضاً. فقد استغل بوتين شعبيته في تقليص هامش حرية الصحافة وإبعاد أحزاب المعارضة عن صناديق الاقتراع ونزع صلاحيات البرلمان والحكومات الإقليمية.

التنافر مع الديمقراطية

ينزع النفط إلى التنافر مع الديمقراطية في مناطق أخرى أيضاً. فمن فنزويلا إلى أنغولا، ومن إيران إلى ميانمار، ساعد ارتفاع أسعار النفط والغاز خلال العقد المنصرم عشرات المستبدين على التشبث بالسلطة. وخلال العام الماضي أدى الربيع العربي إلى ظهور تحركات شعبية في جميع دول الشرق الأوسط تقريباً لكنها لم تسفر عن نتائج ملموسة إلا في تونس ومصر، وهما لا تملكان الكثير من النفط. والواقع أن الاضطرابات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط كانت ذات نفع كبير لبوتين من خلال رفع أسعار النفط والغاز بشكل أتاح حقن الاقتصاد الروسي بمبالغ مالية كبيرة خلال الفترة التي سبقت الانتخابات.

لا يمكن القول إن النفط والغاز يتناقضان دوماً مع الديمقراطية، فالمسألة تعتمد على قدرة الحاكم على الإبقاء على تدفقات الأموال النفطية طي الكتمان. ولا يتحول الأمر إلى مشكلة إلا عندما يشرع الحكام في تقديم الأموال للأصدقاء والحلفاء.

في أبريل 2010 أصدر بوتين قراراً يمنع نشر أي معلومات حول أصول وعائدات ونفقات الصندوقين النفطيين اللذين تملكهما روسيا. وقد سمح له ذلك بالتكتم على الوضع المالي للحكومة وإطلاق عملية إنفاق واسعة النطاق قبيل بدء الحملة الانتخابية، فقام بزيادة النفقات المخصصة للجيش والشرطة بنسبة 33 بالمائة، وتعهد برفع الرواتب والتقاعد لأفراد القوات المسلحة والمعلمين والأطباء. ولغاية يومنا هذا لم يدرك سوى نفر قليل من الروس أنهم تعرضوا للخداع.

وقد لجأ إلى هذه الاستراتيجية عدد من مستبدي النفط الآخرين. فمثلاً، قام الرئيس هوغو تشافيز بتقليص مقدار الشفافية في الحصول على معلومات عن شركة النفط المملوكة للحكومة الفنزويلية، وفي الوقت نفسه استغل هذه الشركة في تمويل النفقات الإضافية لحزبه. وفي الأسبوع الماضي أشار تقرير صادر عن معهد مراقبة الإيرادات (وهو مؤسسة غير ربحية مقرها في مدينة نيويورك) إلى أن المصرف المركزي الإيراني توقف اعتباراً من مطلع العام 2008 عن الإفصاح عن المعلومات المتعلقة بالإيداعات والسحوبات الخاصة بالصناديق النفطية للبلاد. ومنذ ذلك الحين من المتوقع أن تكون عشرات المليارات من الدولارات قد اختفت من تلك الصناديق. 

أما في واشنطن فإن الصلة بين الدفعات النفطية المشبوهة والسياسات القذرة لم تخرج من دائرة الاهتمام، حيث أن إحدى مواد قانون دود-فرانك لإصلاح وول ستريت وحماية المستهلك لعام 2010 كانت تسعى لمواجهة هذه المشكلة، حيث تنص المادة 1504 على إلزام شركات النفط والغاز والمعادن الأمريكية بالإفصاح عن المبالغ التي تدفعها للحكومات في جميع أنحاء العالم.

المطالبة بالمساءلة

إن الأمر واضح جداً: عندما يعرف المواطنون حجم الأموال التي تجمعها الحكومات فإن هذا سوف يفرض على المستبدين مزيداً من المساءلة. وبالرغم من ذلك فقد هدد معهد البترول الأمريكي (أحد أذرع جماعات ضغط قطاع النفط الأمريكي) بمقاضاة هيئة الأوراق والأسواق المالية إذا أصدرت اللوائح التي تضع القانون الجديد موضع التطبيق. وبعد انقضاء عام كامل على انتهاء المهلة المحددة لها، على هيئة الأوراق والأسواق المالية أن تتحرك.

على الهيئة أن تصر على ضرورة إفصاح الشركات عن المبالغ التي تدفعها لكل مشروع على حدة، وليس على مستوى الدولة. وعلى شركات النفط التي تدعي تبني الشفافية – مثل إكسون وشيفرون وكونوكو فيليبس – أن تدعم هذا التوجه بدلاً من الوقوف في وجهه. ولا يوجد ما يثبت أن المزيد من الانفتاح سوف يؤدي لفقدان الشركات الأمريكية لبعض امتيازاتها، بل الواقع أن الاتحاد الأوروبي اقترح اتخاذ إجراء مماثل، كما أكدت المؤسسات الاستثمارية أنها ستحصل على معلومات قيمة من الإفصاحات الجديدة.

يجب أن يذكرنا تنصيب بوتين بأن العائدات النفطية يمكن أن تستخدم في الخير أو في الشر، وكلما كانت الشركات النفطية أكثر شفافية كانت احتمالية استفادة المواطنين – لا المستبدين – من الثروات الطبيعية لبلادهم أكبر.


*أستاذ علم السياسة في جامعة كاليفورنيا بمدينة لوس أنجيلوس ومدير مركز دراسات جنوب شرق آسيا التابع للمعهد الدولي بالجامعة. مؤلف كتاب "لعنة البترول: كيف تتحكم الثروة النفطية في تطور الدول".
 


ليست هناك تعليقات: