تقوم الهوية الفلسطينية على ثلاثة أسس: الأول هو أن مقاومة إسرائيل مقدسة ودائمة، والثاني هو أن الفلسطينيين، أفراداً وجماعات، تحولوا إلى لاجئين على يد إسرائيل. أما الأساس الثالث فهو أن على العالم، وخاصة الأمم المتحدة والدول الغربية، أن يدعم هؤلاء اللاجئين إلى أن يستطيعوا العودة إلى الدولة الفلسطينية العتيدة وإلى منازلهم الموجودة فيما يعرف الآن باسم إسرائيل.
منذ العام 1950 ظلت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين هي الجهة التي تولت تقديم الدعم للفلسطينيين. وتعمل هذه الوكالة - التي تسمى اختصاراً بالأونروا - بتمويل يأتي معظمه من الولايات المتحدة والدول الأوروبية ويبلغ حوالي مليار دولار سنوياً، وهي تدير نظاماً مفتوحاً للتعليم والرعاية الاجتماعية لملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية ولبنان وسوريا والأردن. لكن ما هو المعيار الذي يتبع عند تصنيف هؤلاء في عداد اللاجئين؟
من الناحية المعلنة، تعرف وكالة الأونروا اللاجئ الفلسطيني بأنه أي شخص "كان يقيم في فلسطين خلال الفترة ما بين 1 يونيو 1946 وحتى 15 مايو 1948، والذي فقد بيته ومورد رزقه نتيجة حرب 1948".
أما في الواقع فقد دأبت الأونروا على توسعة نطاق التعريف ليشمل أيضاً "أبناء وأحفاد اللاجئين المستحقين لمساعدة الوكالة إذا كانوا (أ) مسجلين لدى الأونروا، (ب) يقيمون داخل نطاق عمليات الأونروا، (ج) بحاجة للمساعدة".
وتشير أفضل التقديرات إلى أن ما يقارب 700,000 فلسطيني تحولوا إلى لاجئين خلال الفترة بين عامي 1948 و1949. أما وفقاً لحسابات الأونروا فإن الغالبية العظمى من الفلسطينيين الذين ولدوا منذ ذلك الوقت هم من اللاجئين أيضاً. وهذا يرفع عدد اللاجئين إلى بضعة ملايين.
هذا الوضع غير مسبوق في تاريخ أزمات اللاجئين. إذ لم يسبق من قبل أن عاشت مجموعة من البشر في مثل هذه الظروف الاستثنائية لمدة طويلة لدرجة أن أجيالاً لاحقة ورثت الظروف نفسها عبر عقود متلاحقة. وكان من نتائج هذه العملية التي استمرت طوال 60 عاماً أن الحوافز التي قدمت للاجئين للاستقرار في الدول العربية كانت متدنية للغاية، شأنها شأن الحوافز المقدمة للأونروا كي تنهي عملياتها. من المتوقع أن يستمر دافعو الضرائب الغربيون في تمويل هذه الوكالة للأبد أو على الأقل إلى أن تعلن الجمعية العامة للأمم المتحدة أن المشكلة قد انتهت.
وفي ظل هذه الظروف توفر للفلسطينيين الحد الأدنى من الرعاية الصحية والتعليم والرعاية الاجتماعية، وذلك على حساب اندماجهم في المجتمعات المحلية العربية. وقد أعاق تطور مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الديمقراطية الفلسطينيية الاعتماد الكامل على المجتمع الدولي، وقد أدى هذا بدوره إلى زيادة تصلب الفلسطينيين تجاه إسرائيل. وهذا الوضع غير مقبول بالنسبة للولايات المتحدة وغيرها من الدول التي دفعت عشرات المليارات من الدولارات خلال كل هذه السنوات.
في عام 2009 تقدم النائبان مارك كيرك (جمهوري من ولاية إلينوي) وستيف روثمان (ديمقراطي من نيوجيرسي) بمشروع قانون يتضمن آليات للمساءلة داخل الأونروا. وقد دعا النائبان إلى رفع مستوى الشفافية والمسؤولية في الأونروا وسعيا إلى التأكد من أن الأموال التي تصل إلى هذه الوكالة من الولايات المتحدة لا تستخدم في تمويل الأعمال الإرهابية بأي شكل من الأشكال، أي أن تمويل الفلسطينيين سيخضع لقانون المساعدات الخارجية الأمريكي لسنة 1961.
ولم يقف مشروع القانون عند ذلك الحد فحسب، بل مضى إلى المطالبة بتقييم الكتب المدرسية المستخدمة في تدريس الطلبة الفلسطينيين في مدارس الأونروا للتأكد من عدم وجود "أي معلومات مستفزة وغير دقيقة حول الولايات المتحدة ودولة إسرائيل، أو أي مواد معادية للسامية، أو تمجيد الإرهابيين". لكن هذا التعديل لم يجد طريقه إلى النور.
وخلال السنوات الثلاث التي تلت اقتراح كيرك وزميله بات الوضع أكثر تعقيداً. فقد ازداد الدعم المباشر المقدم من الولايات المتحدة لكل من الأونروا والسلطة الفلسطينية، لكن هذه الأخيرة أصرت على المضي قدماً في خطوة متهورة تمثلت في الإعلان الأحادي عن الاستقلال في الأمم المتحدة وهيئاتها المتنوعة.
وبينما كان جزء من السلطة الفلسطينية يعمل على بناء المؤسسات الحكومية، كانت القيادة وعلى رأسها محمود عباس تقاطع المفاوضات مع إسرائيل وتطلب في الوقت نفسه التمويل لنفسها وللأونروا.
لقد فات منذ وقت طويل أوان وضع حدود للتوسع الهائل في أعداد اللاجئين الفلسطينيين. وعليه فإن المقترح الجديد من النائب كيرك يضع سلسلة من المعايير الأكثر دقة للدعم الأمريكي للأونروا في مذكرة التفاهم مع الوكالة.
ينص التعديل المقترح على أن "اللاجئ الفلسطيني هو الشخص الذي كان مقيماً في فلسطين بين يونيو 1946 ومايو 1948 وتم تهجيره شخصياً بسبب حرب 1948 أو حرب 1967 ولا يعيش في الوقت الحالي داخل الضفة الغربية أو قطاع غزة ولا يحمل جنسية أي دولة أخرى".
وهذا يعني أن صفة "اللاجئ" لم تعد قابلة للتوريث، على الأقل ما دامت الأونروا تتلقى الدعم المالي من الولايات المتحدة. كما يطلب التعديل المقترح من وزير الخارجية تقديم تقرير للكونغرس حول أعداد اللاجئين والإجراءات التي تتخذها الولايات المتحدة لضمان الالتزام بالمعايير المذكورة.
ومن المتوقع أن يتم تقديم مقترحات أكثر دقة في هذا الصدد. هناك أدلة كثيرة تثبت أن الأونروا عمدت إلى تضخيم أعداد المستفيدين من خدماتها في غزة وسوريا ولبنان والأردن عبر إضافة أعداد غير معروفة من غير الفلسطينيين، وذلك بهدف تجنب المواجهة والمساهمة في التنمية الإقليمية. وعليه فسوف يكون على الأونروا إثبات أن المستفيدين من خدماتها كانوا يقيمون في فلسطين بين عامي 1946 و1948 وتم تهجيرهم شخصياً بسبب الحربين.
وربما سيتعين على الأونروا أيضاً إثبات أن المستفيدين من خدماتها لا يحملون جنسية أي دول أخرى. ومن المحتمل أن يُطلب من الأونروا البدء بتسليم مهامها إلى السلطة الفلسطينية وإلى بعض الحكومات العربية الأخرى. والحل الوحيد الذي يضمن عدم تحول هذا المقترح إلى قانون هو استخدام حق النقض الرئاسي في رفضه.
لقد أدت الأزمة المالية العالمية إلى تضييق مساحة التفاؤل، لكن المطالبة بالمساءلة المالية ووضع قيود على تعريف اللاجئين الفلسطيين تمثل تغيرات تأخرت كثيراً وسوف تعزز من قدرة الفلسطينيين على الاعتماد على أنفسهم، ولعلها تسهم أيضاً في تحقيق السلام مع إسرائيل.
*مؤرخ وكاتب يقيم في مدينة نيويورك.
**باحث في مؤسسة حماية الديمقراطيات ومنتدى الشرق الأوسط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق