الخميس، مايو 31، 2012

هون سين: عشرة آلاف يوم في السلطة


"لن أكتفي بإضعاف المعارضة فحسب، بل سوف أقتلها. وإذا تجرأ أي معارض على محاولة إقامة مظاهرة فسوف أضرب كل تلك الكلاب وأزج بها في قفص".

ليست هذه كلمات معمر القذافي، وهي لم ترد في خطاب "الجرذان" الشهير الذي ألقاه في العام الماضي وحث فيه مؤيديه على مطاردة المعارضين وقتلهم في كل "بيت بيت، دار دار.."، بل هي كلمات رئيس الوزراء الكمبودي هون سين، استخدمها في سياق لغته التهديدية المعتادة أثناء رده على أحد منتقديه الذي نصحه بالاتعاظ مما جرى لطاغية تونس.

ولئن كان هون سين ممن لا يتبادر اسمه إلى الذهن عند الحديث عن طغاة العالم، فإنه مقبل يوم الجمعة (1 يونيو) على دخول ما يسمى "نادي العشرة آلاف"، والذي ينتمي له عدد من الطغاة الذين تمكنوا من البقاء في السلطة لأكثر من عشرة آلاف يوم باستخدام أساليب العنف والسيطرة على قوات الأمن والفساد الهائل والدعم اللامحدود من القوى الغربية.

لقد أدى سقوط طغاة تونس ومصر وليبيا واليمن إلى تراجع عدد الأعضاء في نادي العشرة آلاف، بحيث يكون هون سين واحداً من أقدم عشرة زعماء للدول في العالم.

كان هون سين أحد قادة الخمير الحمر في كمبوديا، ظهرت عليه ملامح الذكاء والمهارات القيادية مبكراً، وتجلى ذلك في قدرته على تحييد معارضيه في الداخل ومنتقديه في الخارج، واعتمد في ذلك بصورة رئيسية على التهديد باستخدام القوة.

على سبيل المثال، عندما نشرت الأمم المتحدة في كمبوديا أكبر قوة حفظ سلام في تاريخها لتنفيذ بنود اتفاقية باريس للسلام عام 1991، قام هون سين بحشد قوى الأمن لإخافة أعضاء أحزاب المعارضة ومهاجمتهم. وقد شهدت تلك المرحلة مقتل أكثر من 100 معارض تحت سمع الأمم المتحدة وبصرها.

وفي مارس 1997 شنت وحدة حراسته الشخصية هجوما بالقنابل اليدوية على مظاهرة كان يقودها زعيم المعارضة سام رينزي مما أدى إلى مصرع 16 شخصاً وإصابة 150 آخرين. وسارعت الولايات المتحدة، بعدما علمت بإصابة أحد مواطنيها في الهجوم، إلى إرسال محققين من مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI) إلى كمبوديا، وذكر كبير المحققين في تقريره أن المسؤول عن الهجوم هو رئيس الوزراء.

وبعد بضعة أشهر، وخوفاً من خسارة الانتخابات المقبلة، دبر هون سين انقلاباً على شركائه في الحكومة الائتلافية، وتم تحت قيادته ارتكاب أكثر من 100 عملية قتل خارج نطاق القضاء. ولقد شاهدت مع زملائي من الأمم المتحدة جثثاً لأشخاص في ملابسهم الداخلية كانوا قد كبلوا وعصبت أعينهم وأطلقت عليهم النار في رؤوسهم. ولم تجر محاسبة لأي شخص على تلك الجرائم قط.

تواجه كمبوديا في الوقت الحالي مشكلة حادة تتمثل في سيطرة حلفاء هون سين على مساحات شاسعة من الأراضي في إطار ما تطلق عليه الحكومة "امتيازات الأراضي الاقتصادية"، وقد أدى هذا إلى احتجاجات واسعة النطاق بالرغم من المخاطر التي تترتب على المشاركة فيها.

في أبريل الماضي توفي تشوت ووتي، وهو أشهر المدافعين عن قضايا البيئة في كمبوديا، إثر إطلاق النار عليه بينما كان يجري دراسة حول المبيعات غير القانونية للأخشاب. زعمت الحكومة في البداية أنه توفي خلال تبادل لإطلاق النار، ثم عادت وادعت أن جندياً أطلق النار عليه فأرداه قتيلاً قبل أن يتمكن من الانتحار بإطلاق رصاصتين على صدره. وخلال الأسبوع الماضي، اقتيدت 13 امرأة إلى المحكمة وصدرت بحقهن أحكام بالسجن لأنهن احتججن على إخلائهن بالقوة من عقارات تعود ملكيتها لهن في العاصمة فنوم بنه، وكانت الحكومة قد باعت العقارات لشركة مملوكة لأحد المتنفذين وشريك صيني.

ما يثير حنق الشعب الكمبودي أكثر من سواه هو اتساع رقعة الفساد في بلادهم. فرئيس الوزراء هون سين يتمتع بثروة يصعب الحصول عليها لشخص لم يعمل إلا لدى الحكومة الكمبودية منذ عام 1979. أخبرني مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية قبل عشر سنوات أن الحكومة الأمريكية تقدر ثروة هذا الرجل بحوالي 500 مليون دولار. وعندما ذكرت هذا المبلغ أمام مسؤول أمريكي آخر قبل عام كان تعليقه: "أهذا كل شيء؟".

واليوم يحكم هون سين كمبوديا بقبضة حديدية، وهذه حقيقة لا ينكرها أي دبلوماسي في فنوم بنه لكن القليلين مستعدون لمواجهتها. لقد أجبر هون سين خصمه في المعارضة سام رينزي على مغادرة البلاد إلى المنفى بعد أن لفق له حكماً بالسجن عشر سنوات بسبب مشاركته في احتجاج سلمي. وتعيش البلاد حالة تزوير انتخابي مرة كل خمس سنوات لا يمكن لعاقل خلالها أن يتصور أن تكون الانتخابات عادلة ونزيهة أو أن تؤدي هزيمة هون سين إلى خروجه من السلطة.

في عام 1998 خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين إلى شوارع فنوم به احتجاجاً على تزوير الحكومة للانتخابات، وعلى غرار "ميدان التحرير" أقاموا "ميدان الديمقراطية" في إحدى الحدائق وطالبوا بإعادة إحصاء الأصوات أو إجراء انتخابات جديدة. سارع هون سين إلى إرسال قوات الصاعقة التي أخلت الحديقة بالقوة. غمغمت الحكومات الغربية ببعض عبارات الامتعاض دون أن تفعل شيئاً. أي أن العالم خذل الكمبوديين في "ربيعهم".

يعد هون سين أصغر الأعضاء عمراً في نادي العشرة آلاف يوم حيث لا يتجاوز عمره تسعة وخمسين عاماً، وكان قد ذكر ذات يوم أنه ينوي الاستمرار في الحكم إلى أن يبلغ سن الثمانين. وهكذا، وبعد كل الثناء والتمجيد الذي أجراه الربيع العربي على ألسنة الدبلوماسيين عن مواجهة الطغيان، يتساءل الكمبوديين عن سبب التجاهل الذي يلاقونه بينما يستعد هون سين للبقاء في السلطة عشرة آلاف يوم أخرى.


* مدير الشؤون الآسيوية في هيومن رايتس ووتش، عمل محامياً لدى الأمم المتحدة في كمبوديا.

ليست هناك تعليقات: