خلال الأسبوع الماضي أقدمت أنا وزملائي على تصرف قلما يقدم عليه محامو الدفاع: طلبنا من الحكومة توجيه لائحة اتهام ضد موكلنا. وبما أن من غير المتوقع أن تجد القضية طريقها إلى أي قاعة محكمة أمريكية على الإطلاق، فقد طلبنا أن يكون الاستماع عبر النظام القضاء العسكري الأمريكي الفاسد.
كان موكلنا أبو زبيدة من أوائل ضحايا نظام التعذيب الذي أقرته إدارة الرئيس بوش، وكان أول سجين يزج به في "موقع أسود" سري وأول من يتعرض للتعذيب باستخدام أساليب "الاستجواب الفائق". لقد كُتبت مذكرة التعذيب سيئة الصيت في أغسطس 2002 لكي تزيل كافة الحواجز القانونية التي كانت تحول بينه وبين محققي المخابرات المركزية الأمريكية. وبحسب ما تناهى إلى علمنا فإن أبا زبيدة هو المعتقل الوحيد الذي كان استجوابه محل مناقشات رفيعة المستوى في البيت الأبيض والمعتقل الوحيد الذي تعرض لكافة أساليب الاستجواب التي سمحت بها الإدارة الأمريكية.
عندما اعتقل أبو زبيدة في مارس 2002 سارع المسؤولون الأمريكيون إلى التشهير به؛ حيث وصفه محامو وزارة العدل الذين كتبوا مذكرة التعذيب بأنه "ضابط رفيع المستوى" لدى أسامة بن لادن، وزعموا أنه كان متورطاً في "كل المخططات الإرهابية الكبرى" التي نفذها تنظيم القاعدة وأنه كان أحد مخططي هجمات 11 سبتمبر. أما الرئيس بوش فقال إنه كان أحد "الشركاء المؤتمنين" لدى أسامة بن لادن وتعهد بمحاكمته.
ولما لم يخرج محققو مكتب التحقيقات الفدرالية بعد الاستجواب الأولي بالنتائج الكبيرة التي كانوا يتوقعونها، بدا على مسؤولي الحكومة أنهم متأكدون من أنه كان يخفي شيئاً ما، ولذا فقد قرروا أن يعذبوه.
كانت البداية بضرب أبي زبيدة، وذلك بموجب مذكرة التعذيب. عصب المحققون رأسه بخرقة وضربوا رأسه بالجدار مرات متتالية. تُرك مقيداً في صندوق صغير معتم بالكامل لساعات عديدة؛ وتعرض للشبح عارياً بخطافات في السقف، ولم يكن يُسمح له بالنوم لعدة أيام متواصلة.
كما تعرض أبو زبيدة للإيهام بالغرق 83 مرة في شهر أغسطس 2002 لوحده. بل إن مسؤولي (CIA) في لانغلي أمروا المحققين بالاستمرار في تعذيبه لمدة طويلة حتى بعد أن أبلغهم مخبروهم أنه لم يعد يحتمل.
يمكن أن يتساءل المرء عما إذا كان هناك أي سبب يمكن أن يبرر مثل هذا النوع من الاستجواب، وهذا السؤال أكثر إلحاحاً في قضية أبي زبيدة لأن الاتهامات الموجهة ضده كانت كلها خاطئة. لم تعد الولايات المتحدة تعتقد أنه كان حتى عضواً في تنظيم القاعدة، ناهيك عن كونه شريكاً مؤتمناَ أو ضابطاً رفيعاً لدى بن لادن.
كان الصحفي الأمريكي رون سوسكيند أول من شكك في تلك الادعاءات، حيث ذكر في كتابه الصادر عام 2006 "فكر الواحد بالمائة: نظرة عميقة إلى مطاردة أميركا لأعدائها منذ 11/9" أن أبا زبيدة لم يكن سوى رجل يقدم بعض الخدمات اللوجستية البسيطة، حيث كان يعمل وكيل سياحة وسفر.
وفي عام 2009 نشرت صحيفتا واشنطن بوست ونيويورك تايمز تحقيقات تشكك في الصورة التي رسمتها إدارة بوش لأبي زبيدة. ونقلت "بوست" عن مسؤول في وزارة العدل أن هذا الرجل كان يقدم "دعماً فوق الأرض" للمسلحين وتوصلت إلى أن "الحديث عنه بصفته العقل المدبر لأي شيء هو ضرب من السخف". أما صحيفة "تايمز"، والتي اعتمدت على أقوال ضباط مخابرات سابقين وحاليين، فقد وصفت التقييم الأولي للرجل بأنه "مبالغ فيه لدرجة كبيرة" وأنه أدى إلى "سوء فهم عميق" لدور أبي زبيدة، والذي لم يكن سوى "كاتب في شؤون الموظفين".
وعلى النقيض من التعهد الذي قطعه بوش على نفسه، لم يوجه الاتهام لأبي زبيدة إطلاقاً في نظام القضاء العسكري. ربما رأى المسؤولون أن الحل يكمن ببساطة في نسيان الرأي العام الأمريكي لقضيته بإبقائه رهين محبسه لعل الناس تنساه يوماً. وهذا هو ما دعانا لطلب توجيه اتهام للرجل.
يجب ألا يسيء أحد فهم التصرف الذي أقدمنا عليه. نحن لا نعتقد أن نظام القضاء العسكري عادل بل إننا نرى أن إجراءته بعيدة جداً عن أن تمثل العدالة الحقيقية. لكن أبا زبيدة قضى عشر سنوات من حياته رهن الاعتقال دون أن يكون قادراً على الدفاع عن نفسه أو حتى أن يعرف التهمة التي اعتقل من أجلها. لقد توصلنا إلى استنتاج أن المحاكمة في ظل نظام فاسد هي أفضل من لا شيء.
على الأقل، يلزم القضاء العسكري الحكومة بأن تنطق أو تصمت. وقد حان الوقت لذلك.
*مساعد مدير مركز رودريك ماكارثر في كلية القانون بجامعة نورثويسترن، وهو أحد محامي أبي زبيدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق