جفري غولدبيرغ*
كان مشهدا غير مألوف: الرئيس باراك أوباما يجلس ساكنا في المكتب البيضاوي في شهر مايو بينما أخذ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتحف أسماعه بمحاضرة طويلة ألقاها بأسلوب متعجرف حول تاريخ اليهود وغدر العرب بهم، وعن التحديات الوجودية التي تواجهها دولته.
لم تكن الرسالة التي وجهها نتنياهو لمستضيفه هي الأمر غير المألوف في ذلك اليوم، بل إنها واحدة من شيم نتنياهو المعروفة، وإنما كان اللافت هو أن نتنياهو كان يقدم محاضرته للرئيس الأمريكي على الهواء مباشرة خلال جلسة لالتقاط الصور يستطيع الزعيمان بعدها أن يتحدثا بكثير من الابتذال عن الروابط المتينة بين بلديهما.
أدى هذا الاستعراض الوقح إلى شعور الرئيس وفريقه بالغضب. وبعد فترة وجيزة، قام رئيس هيئة الأركان وليام ديلي باستدعاء السفير الإسرائيلي في واشنطن مايكل أورين ليعبر له، بكلمات يقال إنها كانت قاسية، عن استياء البيت الأبيض. كما عبرت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، التي كانت شاهدة من قبل على صراع زوجها مع نتنياهو في أواخر التسعينيات، عن غضبها وإحباطها من رئيس الوزراء الإسرائيلي داخل دوائر الإدارة الأمريكية.
لا شيء في المقابل
أما الشخص الأكثر استياء من نتنياهو فهو وزير الدفاع الأمريكي المتقاعد حديثا روبرت غيتس. ففي لقاء مع لجنة مجلس الأمن القومي عقد قبيل تقاعده هذا الصيف، عدد غيتس ببرود الخطوات الكثيرة التي اتخذتها الإدارة الأمريكية لضمان أمن إسرائيل (منحها حرية الوصول إلى أفضل أنواع الأسلحة، مساعدتها في تطوير أنظمة للدفاع الصاروخي، تبادل المعلومات الاستخبارية على أعلى المستويات) ثم أفصح غاضبا عن أن الولايات المتحدة لم تحصل على أي شيء في المقابل، خاصة فيما يتعلق بعملية السلام.
وقد أخبرني عدد من كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية أن غيتس أوضح للرئيس أن نتنياهو، بالإضافة لجحوده، إنما يعرض بلاده للخطر برفض التعامل مع العزلة المتزايدة التي تواجهها إسرائيل والتحديات الديمغرافية التي تنتظرها إذا استمرت في السيطرة على الضفة الغربية. وبحسب هؤلاء المسؤولين فإن استنتاجات غيتس لم تلق أي معارضة من الأعضاء الآخرين في اللجنة.
استياء وإحباط
وكان غيتس قد عبر عن إحباطه من حكومة نتنياهو في السابق. ففي السنة الماضية، عندما أفسد الإسرائيليون زيارة نائب الرئيس جو بايدن لبلادهم بالإعلان عن خطط لبناء وحدات سكنية جديدة لليهود في القدس الشرقية، أخبر غيتس عدة أشخاص أنه لو كان في مكان بايدن لعاد إلى الولايات المتحدة فورا ولطلب من نتنياهو أن يتصل بالرئيس أوباما عندما تصبح المفاوضات موضوعا جديا بالنسبة له.
كما نشأ إحباط غيتس عن الجدل المستمر مع نتنياهو بشأن مبيعات الأسلحة الأمريكية للمملكة العربية السعودية وغيرها من الحلفاء العرب. وفي إحدى اللقاءات بينهما في شهر مارس الماضي، وفقا لعدة مصادر، استمع غيتس لمحاضرة مطولة من نتنياهو حول الأخطار الكامنة التي يمكن أن تهدد إسرائيل بسبب تلك المبيعات، فضلا عن المخاطر المتمثلة في تركيا وغيرها من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. وقد شعر غيتس، وهو ضابط مخابرات قديم، بالاستياء من النبرة التي تحدث بها نتنياهو، وذكره بأن تلك المبيعات تم الإعداد لها بالتشاور مع إسرائيل وحلفائها في الكونغرس.
الدولة الفلسطينية
ويكتسب استياء الإدارة الأمريكية من نتنياهو أهمية خاصة في الوقت الحالي، وقد حدثني بهذا الخصوص عدد من المسؤولين خلال الأسبوع الماضي، هو أن الولايات المتحدة سوف تدخل معركة جديدة لصالح إسرائيل في الأمم المتحدة، حيث يعتزم الفلسطينيون السعي للاعتراف بدولة مستقلة لهم في سبتمبر.
سوف يعترض البيت الأبيض على هذا الطلب في الجمعية العامة (حيث تم تأمين الأغلبية المؤيدة له بالفعل)، ومن المرجح أن الولايات المتحدة سوف تستخدم حق النقض ضد المشروع في مجلس الأمن الدولي. إن إدارة أوباما محقة في رفضها لهذه الحيلة، التي من شأنها أن تقوض إمكانية التوصل إلى اتفاق ويمكن أن تؤدي إلى تفجر العنف في الضفة الغربية. لكن الرفض سوف يكون للتجاوز عن نتنياهو، وليس لمساعدته.
لقد تعمقت كراهية نتنياهو لدرجة باتت تشكل خطرا على إسرائيل نفسها. لقد تمسكت البيت الأبيض مرة بعد مرة بالوقوف إلى جانب إسرائيل في نزاعاتها الدولية الأخيرة: في قضية تقرير غولدستون الذي اتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة، وفي التصدي العسكري الإسرائيلية للأسطول التركي المؤيد لحماس الذي أدى إلى مقتل تسعة أشخاص، وغير ذلك كثير.
ورغم ذلك فإن حكومة نتنياهو لا تبذل أي جهد لتصحيح المفهوم الشائع في أوساط مؤيديها اليمينيين بأن إدارة أوباما هي أفضل الأحوال صديق مراوغ. ولا شك في أن ينطوي على الكثير من الغباء خاصة في وقت تواجه فيه إسرائيل تهديدا وجوديا من جارتها الخطرة إيران.
تعبير صريح
وتحظى مشاعر غيتس تجاه نتنياهو بأهمية خاصة، نظرا لكون غيتس لا يعتبر من أعداء إسرائيل وكذلك لكونه شخصا ذا منصب هام عبر بصراحة عما يبدو أنه يجول في أذهان الكثيرين في الإدارة الأمريكية. لقد امتنع غيتس عن التحدث لكاتب هذا العمود عبر المتحدث السابق باسمه جيف موريل، لكن موريل أخبرني أن غيتس "بذل جهدا كبيرا في مواجهة المخاوف الأمنية لإسرائيل خلال الأربع سنوات ونصف التي قضاها وزيرا للدفاع" .
وصرح المتحدث باسم البنتاغون جورج ليتل أن وزير الدفاع الجديد ليون بانيتا "يتفق مع ما قاله كل من الرئيس أوباما والوزير السابق غيتس، إن علاقاتنا العسكرية مع إسرائيل هي الآن أقوى من أي وقت مضى".
وعندما سألت السفير الإسرائيلي أورين عما ذكره غيتس حول نتنياهو أجابني "إننا لا نملك سوى كل احترام وتقدير تجاه الوزير غيتس، وبما أننا حلفاء فإننا لا نتبادل الاتهامات وإنما نجري الاتصالات. إن إسرائيل تقدر كثيرا العلاقات الأمنية الوثيقة التي تجمعنا بإدارة الرئيس أوباما".
ولم تمر عزلة نتنياهو في البيت الأبيض مرور الكرام داخل إسرائيل. فقد صرحت رئيسة حزب كاديما تسيبي ليفني في مقابلة معي ومع المحرر لدى مجلة "أتلانتك" جيمس بينيت إن المواطن الإسرائيلي العادي أكثر حرصا من رئيس الوزراء الحالي على الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع الرئيس الأمريكي.
"الإسرائيليون"، تقول ليفني، "عندما يفيقون في الصباح ويسألون أنفسهم عن الوضع العام لليوم فإن أهم معيار لديهم هو سلامة العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة".
*مراسل الأخبار المحلية لدى مجلة "أتلانتك"، وهو مؤلف كتاب "السجناء: قصة عن الصداقة والإرهاب". كان في السابق مراسلا لدى صحيفة نيويورك تايمز في كل من واشنطن والشرق الأوسط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق