الجمعة، سبتمبر 16، 2011

مذكرات نكرة- الحلقة الرابعة عشرة



7 مايو- يوم عظيم ملطخ بالعار: يوم حفل الاستقبال عند اللورد العمدة. عم التوتر أرجاء المنزل بأكمله. كان علي أن أرتدي ملابسي في تمام السادسة والنصف، وكانت كاري تريد الغرفة لنفسها. وكانت السيدة جيمس قد حضرت من ساتون لمساعدة كاري، فرأيت أن من غير المعقول أن تستحوذ لنفسها على كامل اهتمام الخادمة سارة أيضا. ظلت سارة تخرج من المنزل بين الحين والآخر لتحضر “شيئا ما للسيدة”، وقد اضطررت عدة مرات لفتح الباب الخلفي وأنا أرتدي بزتي الرسمية.

في المرة الأخيرة فتحت الباب لصبي البقالة الذي لم يرني، لأن سارة لم تشعل مصباح الغاز، فدفع في يدي ملفوفتين ونصف دستة من قطع الفحم. ألقيت بكل ذلك على الأرض وشعرت بانزعاج شديد حملني على التمادي وقرص الصبي من أذنيه. غادر الصبي المكان وهو يبكي ويتوعد بمعاقبتي، وهذا شيء لن أسمح به إطلاقا. وبسبب الظلام، وطئت قدمي إحدى الملفوفتين فوجدت نفسي أرتمي على الأرض في طرفة عين. مكثت مشدوها لبرهة، ثم زحفت على السلم إلى غرفة الجلوس. وعندما نظرت إلى المرآة الزجاجية عند المدفأة اكتشفت أن الدم كان ينزف من ذقني وأن الفحم لطخ قميصي بالسواد وأن الجزء الأيسر من بنطالي كان ممزقا عند الركبة.


أحضرت لي السيدة جيمس قميصا آخر بدلته بقميصي في غرفة الجلوس. وضعت لاصقا على ذقني، وقامت سارة بخياطة مزق البنطال بمهارة فائقة. وفي تمام الساعة ولجت كاري الغرفة وهي تبدو أشبه بملكة. لم يسبق لي أن رأيتها بهذا الجمال أو هذه الأناقة. كانت ترتدي ثوبا من الساتان باللون الأزرق – وهو اللون المفضل عندي – ووشاحا، أعطتها إياه السيدة جيمس، على كتفيها. شعرت أن الجزء الخلفي من الثوب كان أطول من اللازم، بينما كان الجزء الأمامي أقصر من اللازم، لكن السيدة جيمس كانت تقول إنه على موضة “إيلا”. كانت السيدة جيمس بالغة اللطف، فقد أهدت كاري مروحة عاجية مزينة بريشات حمراء قالت إنها لا تقدر بثمن لأنها مأخوذة من طائر منقرض يدعى “نسر كاشو”. كنت أفضل أن تحمل كاري مروحتها البيضاء التي اشترتها من متجر “شولبريدز”، لكن السيدتين فرضتا رأيهما في النهاية.

وصلنا مانشن هاوس في وقت مبكر للغاية، وكان ذلك من حسن حظنا. فقد أتيحت لي فرصة التحدث مع سعادة المحافظ، والذي تكرم بمحادثتي لبضع دقائق. لكن خيبة أملي كانت كبيرة عندما وجدت أنه ليس لديه أدنى معرفة بمديرنا السيد بيركب.

شعرت أن دعوتنا لمانشن هاوس كانت من شخص لم يكن يعرف اللورد نفسه أصلا. وصلت جموع كبيرة، ولن أنسى ذلك المشهد ما حييت، ولن يستطيع قلمي المتواضع أن يصفه بدقة. وقد ضايقتني كاري كثيرا بالجملة التي كررتها أكثر من مرة: "أليس مؤسفا أننا لا نعرف أحدا هنا؟”.

ثم فقدت كاري صوابها. شاهدت شخصا يشبه فرانشينغ، من بيكام، وأخذت أسير في اتجاهه عندما تشبثت بي من طرف معطفي وصاحت بصوت مرتفع: "لا تتركني” مما أدى برجل كبير في السن، يرتدي بزة رسمية وسلسلة وترافقه سيدتان لأن ينفجر ضاحكا. كان الحشد كبيرا في قاعة الطعام، ويا إلهي كم كان الطعام شهيا! لو كان معه بعض الشمبانيا.

أسعدني كثيرا منظر كاري وهي تجمع لنفسها مختلف أصناف الطعام، حيث لم أحسب أنها على هذه الدرجة من القوة.كنت أشعر بعطش شديد فلم آكل كثيرا. تلقيت صفعة قوية على كتفي فاستدرت للخلف، ولدهشتي الشديدة وجدت فارمرسون، تاجر الخردوات في حينا، الذي قال كما لو كنا أصدقاء: "هذا المكان أفضل من بريكفيلد تيراس، أليس كذلك؟” اكتفيت بالنظر إليه وقلت ببرود: "لم أتوقع أن أراك هنا” فقال لي وهو يضحك بصوت أجش مرتفع: "يعجبني هذا! أنت هنا، فلم لا آتي أنا؟” وأجبته: "بالتأكيد”. وليتني استطعت أن أخرج بجواب أفضل. ثم قال لي: "هي لي أن أحضر أي شيء لزوجتك الفاضلة؟” فقالت كاري: "لا، شكرا لك” وأسعدني ردها كثيرا. ثم قلت له موبخا: "أنت لم ترسل أحدا لكي يطلي لي الحمام كما طلبت منك” فأجاب: "من فضلك يا سيد بوتر، لا تتحدث في أمور العمل في المناسبات الاجتماعية، من فضلك”.

قبل أن أفكر في رد مناسب حضر أحد الضباط، بزيه الرسمي الكامل، وصفع فارمرسون على ظهره وعانقه كصديق قديم، ثم دعاه لتناول الطعام معه في كابينته. كان ذلك مباغتا لي. لمدة خمس دقائق كاملة ظل الاثنان يضجان بالضحك وهما يلكزان بعضهما بعضا ويذكران بعضهما بأنهما لم يكبرا يوما واحدا منذ لقائهما الأخير، ثم أخذا يتعانقان ويشربان الشمبانيا.

كم أدهشتني معرفة أن الشخص الذي يصلح لنا مجرفتنا لديه معارف من المجتمع الأرستقراطي! كنت أنوي الابتعاد عن كاري عندما جذبني فارمرسون من ياقة معطفي وقال مخاطبا الضابط: "دعني أعرفك على جارنا بوتر”. حتى إنه لم يقل “السيد”. قدم لي الضابط كأسا من الشمبانيا. شعرت، رغم كل شيء، أنني أتشرف كثيرا بتناول كأس من المشروب معه، وأخبرته بذلك. أخذنا نتحدث لبعض الوقت ثم قلت أخيرا: “أرجو أن تسمح لي بمرافقة السيدة بوتر”. عندما اقتربت منها قالت لي:” لا تترك أصدقاءك من أجلي. إنني مسرورة لوقوفي هنا وسط هذا الحشد وأنا لا أعرف أحدا!”.

وبما أن المشاجرة تحتاج إلى شخصين اثنين، وبما أن المكان والزمان لم يكونا ملائمين للجدال، فقد مددت يدي إلى كاري وقلت: “أرجو أن تقبل زوجتي الحبيبة الشابة بالرقص معي، ولو كان ذلك لمجرد القول إننا رقصنا سويا في ضيافة حضرة اللورد العمدة”. شعرت أن الرقص بعد تناول الطعام أقل تزمتا، وكنت أعلم أن كاري كانت تحب مراقصتي في الأيام الخوالي، لذا فقد وضعت يدي على خصرها وأخذنا نرقص الفالس.

وهنا وقع حادث مشؤوم. كنت قد اشتريت زوجا جديدا من الأحذية، ولغبائي الشديد نسيت أن آخذ بنصيحة كاري بأن أخدش أطرافهما برأس المقص أو أن أضع بعض الماء عليهما. كنت قد بدأت للتو في الرقص عندما انزلقت قدمي بسرعة البرق وهويت للأسفل. ارتطم جانب رأسي بالأرض بعنف لدرجة أنني مكثت لثانية أو اثنتين وأنا غير مدرك لما حصل. ويؤسفني أن أقول إن كاري هوت أيضا كما هويت وارتطم رأسها بالأرض بالعنف نفسه فانكسر المشط في رأسها وتعرض مرفقها للكشط.

ضج المكان بالضحك، ثم توقف الناس عن القهقهة عندما وجدوا أننا آذينا أنفسنا بالفعل. تقدم سيد نبيل وساعد كاري على الجلوس، وأخذت أتحدث بحدة عن خطورة ترك الأرضية المطلية حديثا دون سجادة أو بساط يحمي الناس من الانزلاق. وأصر الرجل النبيل، الذي عرف نفسه باسم دارويتس، على اصطحاب كاري لتناول كأس من النبيذ، وقد سرني أن أسمح لكاري بقبول دعوته.

التقيت بفارمرسون بينما كنت أتبعهما وقال لي على الفور بصوته المرتفع: “أوه، أنت الذي وقع على الأرض؟”
كان جوابي عليه نظرة ساخطة.
قال لي، بأسلوب مقيت جدا: “اسمع أيها الرجل العجوز، نحن أكبر سنا من أن نمارس لعبة كهذه. يجب أن نترك ساحة الرقص للشباب. تعال واشرب كأسا آخر، فهذا أكثر ملاءمة لنا”.
قبلت بالذهاب معه لشعوري أنني سأشتري سكوته بهذا الصنيع، والتحقنا بالآخرين في قاعة الطعام.

بعد الحادث المشؤوم لم تشعر كاري ولم أشعر أنا بالرغبة في البقاء سويا. وأثناء مغادرتنا قال فارمرسون: “هل أنتما مغادران؟ إذا كنتما كذلك فلتقلاني معكما”.

شعرت أن الموافقة هي الخيار الأفضل، لكنني تمنيت لو أنني استشرت كاري أولا.

ليست هناك تعليقات: