الاثنين، سبتمبر 26، 2011

الفيلم الأمريكي (Wall Street) إنتاج 1987


لعلي لا أبالغ إن قلت إن هذا الفيلم هو أفضل أفلام المخرج أوليفر ستون على الإطلاق. حصل الفيلم على جائزة الأوسكار لأفضل ممثل (مايكل دوغلاس) وسبع جوائز أخرى من بينها غولدن غلوب لأفضل أداء تمثيلي (مايكل دوغلاس أيضا). والحق أن دوغلاس أبدع أيما إبداع في تجسيد شخصية رجل الأعمال الرأسمالي الجشع الذي لا تعرف الرحمة لقلبه طريقا، ولا يؤمن بالأخلاق منهاجا للحياة؛ وقد اشتهرت شخصيته (غوردن غيكو) بالعبارة الشهيرة :"الجشع، لغياب كلمة أفضل، شيء جيد".

يروي الفيلم قصة شاب طموح يدعى باد فوكس (تشارلي شين) يعمل لدى إحدى الشركات المالية في تسويق الأسهم عبر الهاتف، ونراه في الدقائق الأولى من الفيلم يستدين المال من والده لأن عاجز حتى عن سداد رسوم دراسته الجامعية، لكنه يتمسك بأمل أن يصبح ثريا ويخطط لذلك في كل لحظة.

ويحصل فوكس على فرصته الكبرى عندما يتمكن من الالتقاء برجل الأعمال المليونير غوردن غيكو ويحاول أن يثير إعجابه بكل السبل لكنه يفشل في ذلك، وعندما وجد فوكس أن فرصته سوف تضيع عليه وجد نفسه يفشي بسر كان قد أخبره به أبوه حول شركة الطيران التي يعمل بها، وهو سر سيكون له شأن عظيم فيما تبقى من الفيلم. تثير المعلومات الجديدة اهتمام غيكو ويوافق على أن يعمل فوكس لديه بشرط جلب المزيد من المعلومات "النوعية". 


وتبدأ رحلة فوكس في عالم المال والأعمال، ونجده في البداية يواجه معضلة أخلاقية مؤرقة تتمثل في أنه سيضطر للتحايل على القانون إن أراد أن يحصل لمستخدمه الجديد على المعلومات، لكن حوارا قصيرا مع غيكو يجعله يتجاوز هذه المعضلة ويسير على نفس المسلك الذي اتخذه من قبله صديقه الجديد (أصبح يناديه غوردن بدلا من السيد غيكو) كأنما كان اجتياز تلك العتبة بمثابة بطاقة دخول لعالم الرأسماليين.

ثمة مشاهد لا تنسى في الفيلم من بينها مشهد الخطبة التي ألقاها غوردن غيكو في جموع المستثمرين في إحدى الشركات ودافع فيها بشراسة عن منهجه الاستثماري القائم على استغلال إبداعات الآخرين والمتاجرة بها. ولأنه يتمتع بالفصاحة اللغوية، وأكثر منها بالمال الوفير، ينتصر غيكو وينهزم منافسوه، ويتعلم فوكس الدرس.

ثم تدور الدوائر ويجد فوكس نفسه في مواجهة مع والده، عندما أراد أن يستحوذ مع غيكو على الشركة التي يعمل فيها أبوه في مسعى منه لإنقاذها من الإفلاس، ولم يكن يعلم أن غيكو أراد أن يفتت الشركة ويجني منها الملايين، ولم يرد بها ولا بموظفيها خيرا. ودار نقاش حاد بين باد ووالده أصر كل منهما فيه على موقفه وانتهى إلى غير نتيجة.

وإذ يكتشف فوكس مؤامرة غيكو يجن جنونه ويزوره في مكتبه مهددا ومتوعدا، وهنا يكشف غيكو عن وجهه القبيح الذي لم يكن مخفيا إلا عن فوكس. زالت الغشاوة وبدأت المواجهة مع الحقيقة. وهنا يدنو الفيلم من نهايته وتكتمل فصول القصة التي تتكرر في كل يوم في بورصة وول ستريت الشهيرة.

لقد كان هذا الفيلم أشبه بصرخة تحذيرية من الانهيار الأخلاقي الهائل الذي أصاب المتعاملين في أسواق المال الأمريكية، حيث طغى التفكير المادي على كل تفكير. وقد لخص والد فوكس الموضوع في نصيحة أسداها لابنه عندما قال له: عليك أن تبني شيئا جديدا بدل من أن تأتي على ما بناه الآخرون وتهدمه من أساسه.

أذكر أن صديقا أخبرني أنه شاهد عددا كبيرا من سيارات الإسعاف تقف في أحد شوارع نيويورك كأنما تنتظر ضحاياها انتظارا؛ وعندما سأل عن ذلك قيل له إنها واقفة على أهبة الاستعداد لنقل ضحايا وول ستريت ممن يصابون بالنوبات القلبية، وما أكثرهم، وليتهم يتعظون.

ليست هناك تعليقات: