الفصل الخامس
ما بعد انتكاسة مانشن هاوس. كاري تتعرض للإهانة. غوينغ يتعرض للإهانة أيضا. حفل بهيج في منزل آل كمنغز. السيد فرانشينغ، من بيكام، يزورنا.
8 مايو- استيقظت وأنا أعاني من صداع شديد. لم أستطع أن أرى ما حولي إلا بصعوبة، وكان الألم في أسفل عنقي حادا كما لو كنت قد ارتطمت بشيء صلب. أردت في البداية أن أستدعي الطبيب، لكن ذلك لم يكن ضروريا. شعرت بالإعياء عندما نهضت من السرير، وتوجهت إلى الصيدلاني براونيش الذي نصحني بشرب البيرة. اشتد علي المرض في المكتب فاضطررت لأخذ إجازة والعودة للبيت. ذهبت إلى صيدلاني آخر في المدينة فوصف لي البيرة أيضا. يبدو أن وصفة براونيش لم تزد حالتي إلا سوءا، إذ أني لم آكل شيئا طيلة اليوم. وزاد في الطين بلة أن كاري كانت ترد علي بحدة كلما حاولت التحدث إليها، هذا إن ردت علي أصلا.
في المساء اشتد علي المرض أكثر وقلت لها: "أعتقد أنني تسممت بفعل وجبة الكركند بالمايونيز التي تناولناها بالأمس في مانشن هاوس" فأجابت ببساطة، دون أن ترفع عينيها عن الحياكة في يديها، "لكنك شربت من الشمبانيا كما لم تشرب من قبل". ساءني ذلك، وقلت: "ما هذا الهراء! أنا لم أشرب سوى كأس ونصف، وأنت تعلمين كما أعلم تماما.." وقبل أن أكمل جملتي كانت قد نهضت من مكانها وغادرت الغرفة. قضيت قرابة ساعة كاملة جالسا في انتظار عودتها لكنها لم تعد، فقررت أن آوي للفراش. اكتشفت أن كاري كانت قد ذهبت للفراش دون أن تقول لي "ليلة سعيدة"، وتركت لي إغلاق باب غرفة غسل الأطباق وإطعام القطة. لا شك في أني سوف أتحدث معها في الصباح بهذا الخصوص.
9 مايو- ما زلت أشعر بالإعياء، وثمة بقع سوداء على جلدي. نشرت صحيفة بلاكفريارز الإخبارية نصف الأسبوعية قائمة طويلة بأسماء المدعوين لمانشن هاوس، وخاب أملي كثيرا عندما لم أعثر على اسمينا، على الرغم من وجود اسم فارمرسون وإلى جواره الحروف (م ل ل) بغض النظر عما ترمز إليه. كنت مغتاظا لأبعد الحدود لأننا اشترينا دزينة من النسخ كي نرسلها إلى أصدقائنا. كتبت خطابا لصحيفة بلاكفريارز الإخبارية نصف الأسبوعية منبها إياهم إلى الخطأ الذي ارتكبوه.
كانت كاري قد بدأت بتناول الإفطار عندما دخلت غرفة الطعام. أعددت لنفسي فنجانا من الشاي ثم قلت بكل هدوء: "كاري، أرجو أن توضحي لي سبب تصرفاتك ليلة الأمس".
قالت كاري: "بالتأكيد! وأنا أرجو أن توضح لي سبب تصرفاتك في الليلة التي سبقتها".
قلت بهدوء: "حقيقة أنا لا أفهمك".
قالت كاري باستهزاء: "ربما كان هذا صحيحا، فقد كانت حالتك لا تسمح لك بفهم أي شيء".
أثارت هذه السخرية استيائي وصحت بها: "كارولين!".
فقالت:" لا تتصرف بطريقة مسرحية، فهذا لا تأثير له علي. احتفظ بهذه النبرة لصديقك الجديد، تاجر الخردوات فارمرسون".
كنت على وشك الرد عليها لولا أنها طلبت مني، بعصبية لم أعهدها فيها من قبل، أن أغلق فمي. ثم صاحت بي:" أنا سوف أتحدث الآن! بعد أن نهرت السيد فارمرسون سمحت له بأن يزجرك، وفي وجودي، ثم قبلت دعوته لتناول كأس من الشمبانيا، ولم تكتف بشرب كأس واحدة. وبعد ذلك عرضت على هذا الرجل السوقي، الذي فشل في إصلاح مكشطتنا، أن يجلس إلى جوارك في عربة الأجرة. وقد التزمت الصمت رغم أنه مزق ثوبي أثناء صعوده إلى العربة، وداس على مروحة السيدة جيمس غالية الثمن التي كنت قد أسقطتها من يدي، ولم يعتذر عن تلك الأفعال البتة. وأخذتما تدخنان طوال الطريق إلى المنزل دون أن تستأذنا مني. وليس هذا كل شيء! ففي نهاية الرحلة، ورغم أنه لم يعرض عليك المساهمة بدفع نصيبه من الأجرة، فقد دعوته للدخول. لكن لحسن الحظ فقد كان لديه من الوعي ما فيه الكفاية ليدرك، بسبب تصرفاتي معه، أنه غير مرغوب فيه في المنزل".
يعلم الله مقدار الذل الذي شعرت به وأنا أستمع إليها، لكن ذلك لم يكن كافيا على ما يبدو، فقد اقتحم غوينغ الغرفة دون أن يطرق على الباب وعلى رأسه قبعتان وفي يده مشط البستنة وعلى وشاح من الفرو خاصة كاري (كان قد أخذه من الطابق السفلي) ثم أخذ يحيي نفسه ويصيح بأعلى صوته "صاحب السمو الملكي، اللورد العمدة!" وأخذ يذرع الغرفة جيئة وذهابا بمشية عسكرية. وعندما رأى أننا لم نعره أي اهتمام قال: "هللو! ماذا بكما؟ مشاجرة بين العاشقين، ها؟".
ساد الصمت لبرهة قصيرة، ثم قلت بهدوء:" يا عزيزي غوينغ، أنا مريض بعض الشيء، ولا أشعر بالرغبة في المزاح، خاصة عندما تقتحم الغرفة دون استئذان؛ وهذا عمل لا أرى فيه أي قدر من الفكاهة".
قال غوينغ: "أنا آسف جدا، لكنني حضرت لآخذ عصاي التي لم ترسلها لي". أعطيته عصاه، وكنت قد طليتها باللون الأسود لعل ذلك يجعل شكلها أفضل. نظر إليها لبعض الوقت بانبهار ثم تساءل:" من الذي فعل هذا؟"
قلت له: "ها، فعل ماذا؟"
قال: "فعل ماذا؟ لقد أتلف عصاي! لقد كانت لعمي الراحل، وهي عندي أثمن من أي شيء آخر أملكه في هذا العالم! سوف أكتشف من الذي فعلها".
قلت: "أنا آسف جدا. أرجو أن أستطيع إزالة الطلاء. لقد فعلتها بحسن نية".
قال غوينغ: " إذن فكل ما يمكنني قوله هو أن الأمر قد انتهى، وأود أيضا أن أضيف أنك أكثر حمقا مما تبدو عليه، لأن إزالة الطلاء مستحيلة".
12 مايو- حصلت على نسخة واحدة من صحيفة بلاكفريارز الإخبارية نصف الأسبوعية. كانوا قد أضافوا قائمة بالأسماء المحذوفة، لكن الأغبياء أوردوا اسمينا على النحو التالي "السيد والسيد س. بورتر". يا للغباء! كتبت لهم ثانية وحرصت على كتابة اسمي لهم بحروف كبيرة "بوتر" بحيث لا أترك لهم أي مجال للخطأ هذه المرة.
16 مايو- أصبت بالغثيان عندما فتحت عدد اليوم من صحيفة بلاكفريارز الإخبارية نصف الأسبوعية ووجدت الفقرة التالية: "وصلتنا رسالتان من السيد والسيدة بيوتر، يطلبان فيهما منا الإعلان عن الحدث الهام المتمثل في ذهابهما لمانشن هاوس". مزقت الصحيفة وألقيت بها في سلة المهملات، لأن وقتي أثمن من أن أضيعه في هذه الترهات.
21 مايو- كانت الأيام العشرة الأخيرة مملة للغاية، حيث ذهبت كاري إلى ساتون لزيارة السيدة جيمس. كان كمنغز مسافرا أيضا. أما غوينغ فأعتقد أنه ما زال يشعر بالإهانة بعد أن طليت عصاه باللون الأسود دون استشارته.
22 مايو- اشتريت عصا جديدة، مطلية باللون الفضي، بسبعة وستين بنسا (سأخبر غوينغ أنها لم تكلفني سوى خمسة شلنات)، وأرسلت معها بعض العبارات اللطيفة لغوينغ.
23 مايو- تلقيت خطابا غريبا من غوينغ قال فيه: "أنا أشعر بالإهانة؟ إطلاقا يا عزيزي. لقد ظننت أنك أنت الذي شعرت بالإهانة بعدما فقدت صوابي في بيتك. كما إنني اكتشفت أن العصا التي طليتها لم تكن خاصة عمي على أية حال، بل كانت مجرد قطعة رخيصة لا تساوي شلنا واحدا اشتريتها من بائع التبغ. وعموما فإنني مسرور جدا بالهدية التي أرسلتها لي".
24 مايو- عادت كاري. مرحى! كانت تبدو بصحة ممتازة، لكن أنفها كان محمرا بفعل الشمس.
يتبع...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق