الخميس، سبتمبر 15، 2011

الميول الانتحارية عند الطلبة الموهوبين أكاديميا (دراسة مترجمة)



تشير دراسات الجمعية الأمريكية لدراسات الانتحار (2004) إلى أن معدلات الانتحار بين المراهقين وصغار البالغين قد نمت بمعدلات تتجاوز 240% خلال العقود الخمسة الأخيرة.

وبينما حدث تراجع بطيء في معدلات الانتحار منذ عام 1994 (من 13.8 حالة انتحار لكل 100,000 إلى 9.9 حالة فقط للأعمار 15-24 سنة)، ما زال الانتحار ثالث أكبر سبب للوفاة بين المراهقين؛ حيث تم تسجيل 4010 حالات انتحار في صفوف الفئة العمرية 15-24 عاما في عام 2002 وحده. كما تشير التقديرات إلى أنه في مقابل كل حالة انتحار ناجحة، هناك 25 محاولة فاشلة.

ومن أجل العمل على تخفيض معدلات الانتحار كان لا بد من إجراء دراسات مسحية لمعرفة طبيعته ومسبباته. وفي عام 1987 طور رينولدز استبانة التفكير الانتحاري والتي قدمت معلومات مفيدة عن طرق وأنواع التفكير الانتحاري لدى من يحاولون الانتحار.



عبر التاريخ كان يعتقد أن الأفراد الموهوبين هم أكثر ميلا للتفكير بالانتحار أو بارتكابه، وربما يعود ذلك بالأساس إلى محاولات الانتحار التي قام بها كثير من الموهوبين خاصة في الناحية الفنية في جميع المجتمعات. غير أن كروس (1994) أظهر أنه لا توجد بيانات موثوقة تتعلق بمدى انتشار التفكير الانتحاري بين الموهوبين، وذلك نظرا لغياب أي معلومات تجريبية محددة عن هذه الفئة. أما المعلومات المتوفرة حاليا فهي تشير إلى أن الموهوبين المراهقين (تماما مثل العاديين) أصبحوا يحاولون الانتحار بمعدل أكبر من الذي كان سائدا قبل خمسة عقود. كما أشارت تقارير حديثة إلى أن انتشار التفكير الانتحاري عند الموهوبين لا يختلف عن انتشاره بين العاديين.

وبينما لا تدعم الدراسات الحالية الخرافة القائلة بأن الموهوبين أكثر ميلا للانتحار من أقرانهم العاديين، فإن من الممكن أن تختلف المجموعات في الطريقة التي تتمثل كلا منهما موضوع الانتحار معرفيا. كما ثبت أن الحاجات الاجتماعية والانفعالية لدى الموهوبين تختلف عنها لدى العاديين.

كما يعتقد أن سنوات المراهقة تكون أشد وطئا على الموهوبين منها على العاديين حيث يواجه الموهوبين صعوبة في المواءمة بين ضرورة الوصول بموهبتهم إلى أقصى حد وفي نفس الوقت الانسجام مع أقرانهم العاديين. ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن النظرة إلى الانتحار أو التفكير فيه يختلفان عند الموهوبين عنهما عند العاديين.

وقد حاول دارسو الانتحار أن يصنفوا الخصائص التي تجعل الأفراد أكثر عرضة من غيرهم للتفكير بالانتحار. وقد توصلوا إلى تحديد أربعة عوامل رئيسية هي:
1.  العامل البيولوجي: الجينات، الجنس، الاكتئاب.
2.  العامل النفسي: مفهوم الذات، الشعور باليأس.
3. العامل المعرفي: الفشل في حل المشكلات، التفكير غير المرن، ضعف استراتيجيات التكيف.
4.  العامل البيئي: الخبرات الأسرية، الأحداث اليومية، مدى توفر السلاح.

وقد أجرى كروس وزملاؤه دراسة نفسية على أربعة شباب ارتكبوا الانتحار. ومن خلال مراجعة التجارب المأساوية لهم، تبين وجود قواسم مشتركة بينهم كمراهقين موهوبين ويمكن إرجاع التفكير بالانتحار لها:
أولا: المراهقون الأربعة كانوا من الذكور وكانت تظهر عليهم علامات الإصابة بالاكتئاب. (عامل بيولوجي)

ثانيا: كان الأربعة يعانون من ضعف التواصل الاجتماعي، وكانوا كثيري الشكوى والتذمر من زملائهم والوضع الذي يعيشونه. (عامل نفسي وبيئي)

ثالثا: سبق للأربعة أن دخلوا في نقاشات مدافعين عن الانتحار كعمل نبيل وحل مثالي للمشاكل، كما كان تعرف آراؤهم بالغرابة ومخالفة المألوف. (عامل معرفي).

 


الدراسة الحالية


بينما تشير الدراسات الحديثة إلى أن العوامل المشتركة بين الموهوبين وغير الموهوبين تفوق الفوارق بين المجموعتين فيما يتعلق بالانتحار من الناحية البيئية والناحية البيولوجية، فإن العاملين المعرفي والنفسي ما زالا بحاجة للمزيد من الدراسة. ومن أجل تحقيق ذلك نقدم في هذه الدراسة تحليلا عامليا للتفكير الانتحاري من خلال دراسة الاستجابات على استبانة التفكير الانتحاري المطبقة على عينة من الموهوبين المراهقين إضافة إلى عينة ضابطة.

تضمن العينة الضابطة أكثر من 2000 مراهق تتميز بياناتهم بثبات مرتفع (0.97) واتساق داخلي قوي (0.90) وصدق بنائي يتراوح بين المتوسط والقوي ( بين 0.52 و0.70)، وذلك بناء على الارتباط الإيجابي بعوامل مثل الاكتئاب والشعور باليأس وتدني مفهوم الذات.



الطريقة


الطلبة الذين أخذت منهم البيانات الخاصة بهذه الدراسة ملتحقون لمدة عامين بمدرسة ثانوية حكومية للطلبة الموهوبين في الفصل الدراسي الأول من العامين 2003 و2004. كان عدد الطلاب في المجتمع المتوفر 334 (186 أنثى و148 ذكرا). وكان عليهم حتى يلتحقوا بهذه المدرسة أن يقدموا نتائج اختبارهم على مقياس (سات) إضافة إلى مقاييس مقننة أخرى، وذلك بالإضافة إلى علاماتهم المدرسية ومقالات يكتبونها بأنفسهم وتوصيات من ثلاثة معلمين ووجود الأهل.

قام المشاركون بملء الاستمارة كجزء من شروط القبول في المدرسة، وقد تم جمع هذه المعلومات أساسا لمعرفة الطلاب الذين هم بحاجة إلى إرشاد نفسي.

استمارة التفكير الانتحاري (المعنونة بـ "عن حياتي") هي تقرير ذاتي من 30 فقرة يستخدم لتقييم مدى انتشار وتكرار الأفكار الانتحارية بين الطلبة الموهوبين المراهقين (العمر 13-19). وكان على المفحوصين أن يسجلوا تقييمهم للفقرات وفق مقياس ليكرت سباعي الشكل يتراوح بين الصفر (لم أفكر بهذا إطلاقا) و6 (كل يوم تقريبا). وقد وضعت العلامات من صفر إلى 6 بحيث تشير العلامة الأعلى إلى ميول انتحارية أكثر.



النتائج


أظهرت الدراسة أنه بالرغم من عدم وجود فروق ذات دلالة بين الموهوبين والعاديين في التفكير الانتحاري بشكل إجمالي، فإنه ثمة فوارق في الشكل الذي يفكر فيه كل منهما بالانتحار وخاصة في هذه العوامل: تمني الانتحار والتخطيط له، التركيز على استجابات الآخرين، التفكير المستمر، مما يشير إلى أن التفكير الانتحاري عند الموهوبين أكثر تشعبا منه عند العاديين.

لقد ثبتت إمكانية استخدام استمارة التفكير الانتحاري سواء في الاستخدامات العيادية أو العامة، وذلك من أجل فحص الاحتمالات التي قد تكون محددة مسبقا لدى الباحث كعوامل حرجة فيما يتعلق بالتفكير الانتحاري. كما وجدت هذه الدراسة أن استخدام هذه الاستبانة يفيد في معرفة أبعاد التفكير الانتحاري عند فئة الموهوبين بشكل خاص.

وبينما يبدو من المشجع وجود اهتمام متزايد بموضوع التفكير الانتحاري لدى الموهوبين، فإن علينا أن نؤكد أننا ما زلنا بحاجة للمزيد من البحث والتقصي لتحديد العلاقة بين أبعاد التفكير الانتحاري وبين عوامل الخطورة المعروفة مسبقا، وذلك عن طريق جمع المعلومات من مجموعتين إحداهما مكونة من موهوبين مراهقين والأخرى من مراهقين عاديين.

ليست هناك تعليقات: