صدرت هذه الرواية لأول مرة باللغة الإنجليزية في العام 2008، وحازت في العام نفسه على جائزة بوكر الأدبية بوصفها أفضل رواية صادرة في ذلك العام. والنسخة التي بين يدي مترجمة للعربية أصدرها المجلس الوطني للفنون والآداب بدولة الكويت ضمن سلسلة إبداعات عالمية (العدد 386- أغسطس 2011).
كاتب الرواية، أرافيند أديغا، من مواليد الهند عام 1974 وهو يحمل الجنسيتين الهندية والأسترالية. درس الأدب الإنجليزي في جامعة كولومبيا العريقة بالولايات المتحدة، ثم حصل على بعثة دراسية في كلية مدالن في أكسفورد بإنجلترا. عاد بعد ذلك إلى الولايات المتحدة حيث عمل محررا بقسم الاقتصاد في صحيفة فاينانشال تايمز. وفي العام 2003 سافر إلى الهند ليعمل هناك مراسلا صحافيا، وجاب بحكم مهنته معظم بلدان جنوب آسيا مما منحه خبرة لا يستهان بها في شؤون تلك الدول وأحوال شعوبها. يعيش أديغا حاليا في مومباي.
جاءت الرواية على شكل رسالة موجهة من البطل/ الراوي الذي نعرفه بثلاثة أسماء مختلفة "مونا ثم بالرام ثم آشوك" إلى رئيس وزراء الصين، وذلك بمناسبة الإعلان عن زيارة هذا الأخير إلى مدينة بنغالور التي يقطنها بالرام. وفي هذه الرسالة، المكتوبة على مدار سبع ليال، يروي بالرام قصة صعوده من طفل بدون اسم إحدى القرى المنسية في شمال الهند إلى أحد كبار المقاولين (contractors) في مدينة بنغالور، عاصمة التكنولوجيا في الهند.
وإذا يتنقل القارئ مع البطل في سرده للأحداث بأسلوب رشيق للغاية، يقف المرء مشدوها أمام البؤس الذي تعيشه الغالبية العظمى من أفراد الشعب الهندي الذي جاوز تعداده ألف مليون. فالراوي يقسم الهند منذ البداية إلى قسمين غير متساويين: الظلام والنور. يغمر الظلام السواد الأعظم من مساحة شبه القارة، ويلف الغالبية الساحقة (أو إن شئت: المسحوقة) من سكانها، بينما لا يتمتع بالنور إلا القليلون من ذوي الثراء الفاحش بكل ما في الكلمة من معنى.
كان الراوي في طفولته يعلم أنه مختلف عن الآخرين، وكان الآخرون يعلمون أنه مختلف عنهم. كان مثله كمثل النمر الأبيض الذي يختلف عن سائر النمور في كونه لا يأتي إلا مرة واحدة في الجيل الواحد. وللحق فقد كان هذا الراوي يتمتع بدرجة عالية من الذكاء أهلته للخروج من قريته المسحوقة إلى مدينة دلهي، التي لم يكن يحلم بزيارتها.
وفي دلهي بدأت رحلة بالرام إلى المجد، حيث عمل سائقا لدى شخص يدعى آشوك من الطبقة الغنية المتعالية كان قد عاد مؤخرا من الولايات المتحدة إلى الهند. وأخذت نوازع الشر تنمو لدى بالرام مع تزايد شعوره بالنقمة على الأغنياء المتعالين الذين لا يكفون قط عن إذلاله. وعلى الرغم من أن سيده "آشوك" كان يتعامل معه بأفضل من الآخرين، فإنه لا يخفى على القارئ أن آشوك لم يكن منصفا معه ولا عادلا. وعندما شعر بالرام أن آشوك يريد تعيين سائق آخر في مكانه بادر إلى قتله والاستيلاء على بضعة ملايين من الروبيات كان الأخير يعتزم دفعها كرشوة لأحد السياسيين في دلهي.
ولم يكتف بالرام بقتل سيده والاستيلاء على ثروته، بل سرق اسمه أيضا! وأصبح آشوك الجديد رجل أعمال في بنغالور التي هرب إليها خوفا من بطش أقارب آشوك، لكن ضميره لم يؤنبه كثيرا حتى وهو يعلم تمام العلم أن أسرته سوف تعاني كثيرا بسبب فعلته.
فصول الرواية طويلة وأحداثها كثيرة، وهي تنطوي على احترام كبير لتفكير القارئ وتحليله. فلا يجد المرء فيها ظواهر خارقة ولا أحداثا مفاجئة خارجة على السياق. كل شيء يسير في نسق طبيعي سلس لا يستفز القارئ ولا يتركه في الظلام.
الرواية حافلة جدا بالإشارات الذكية والتلميحات الخفية. أول ما يتبادر إلى الذهن المقارنات المتكررة بين الهند والصين، والتي يدسها الراوي دسا أثناء مخاطبته رئيس الوزراء الصيني في رسالته. ولا يكاد يخلو أي حوار يخوضه بالرام من هذه التلميحات حيث نجد إشارات بالصراحة وبالتلميح إلى حجم الفساد الهائل الذي تعاني منه المؤسسات الهندية، وخاصة عندما ينظر إليها الآخرون باعتبارها أكبر ديمقراطية في العالم. يفند الكاتب هذه النظرية، بل يقلبها رأسا على عقب، وهو يتحدث بكثير من التفصيل عن عمليات الرشوة والتزوير وقلب الحقائق. ونتابع مع آرام حادثة مؤلمة جدا عندما أجبره أسياده على التوقيع على إفادة يعترف فيها بدهس طفل في أحد شوارع دلهي، رغم أن زوجة آشوك الأمريكية هي التي ارتكبت الحادث، وعندما دارت الأيام وصار بالرام نفسه سيدا (يحمل اسم آشوك) استغل فساد رجال الشرطة في إنقاذ أحد سائقيه بعد أن دهس طفلا في بنغالور، وخرج السائق كأنه لم يفعل شيئا.
ولا يفوتني أن أنوه بالجهد العظيم الذي بذلته مترجمة الرواية (د. طيبة صادق) ومراجعتها (د. زبيدة أشكناني) والذي أسفر عن تحفة فنية لا تقل جودة عن النص الإنجليزي الأصلي، وأحسب أن المترجم يكفيه فخرا أن ينقل مقاصد الكاتب إلى القارئ دون تغيير، وهذا ما نجده في هذه الترجمة.
هناك تعليقان (2):
حلوة اوى اتمنى انى اقرأها كاملة
رواية تشوقني لقرائتها كامله
إرسال تعليق