مع انتهاء مرحلتين من الانتخابات البرلمانية
الأولى التي تجرى منذ الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك في فبراير الماضي، فازت
جماعة الإخوان المسلمين –المحظورة سابقا- بأكثر من 40 بالمائة من مقاعد مجلس
الشعب، وهي بالتالي مؤهلة للعب دور أساسي في المشهد السياسي بالبلاد. لكن من يحاول
أن يتنبأ بما سيفعله الإخوان المسلمون بأغلبيتهم السياسية الجديدة، وهم الذين انصب
تركيزهم في الماضي على العمل الديني والاجتماعي فقط، إنما سيخدع نفسه فحسب. لا أحد
يعلم، ولا حتى الإخوان أنفسهم.
الأمر الوحيد الذي نعلمه هو أن القيم
المحافظة للإخوان ليست بعيدة جدا عن السياق الفكري العام داخل مصر. لا يمكن القول
إن المصريين جميعا يؤيدون هذه الجماعة أو يريدون أن تتبوأ السلطة في بلادهم، لكن
قلة قليلة منهم ترفض الشعار العام الذي ترفعه هذه الجماعة: "الإسلام هو
الحل". لقد نالت الأحزاب الإسلامية ثلثي أصوات الناخبين في الجولتين
الأوليين، وهذا دليل واضح على أن المصريين لا يريدون دولة علمانية.
عمرو دراج، الأمين العام لفرع الجيزة بحزب
الحرية والعدالة الذي يعتبر الذراع السياسي للإخوان المسلمين، يدرك هذه النقطة
جيدا. وهو يريد منا أيضا أن ندرك أن تعزيز القيم الليبرالية مثل مساواة النساء
بالرجال لا يستدعي أن تكون الدولة علمانية بالضرورة.
عندما زرته خلال الأسبوع الماضي في منزله
الفاخر في حي الدقي، أحد أحياء الطبقة المتوسطة في القاهرة، أخذ يعرض علي مجموعة
من الصور لبناته الثلاث اللاتي يحملن جميعا شهادات جامعية ويعملن بدوام كامل. وكذا
الحال مع زوجته. وأخبرني أنهن جميعا يرتدين أغطية رأس عصرية.
ثم أخبرني دراج أن على النساء أن ينقطعن على
العمل أربع سنوات على الأقل لكي يعتنين بأطفالهن، مؤكدا أن تربية الأطفال هي
الغاية الأساسية من وجودهن في هذه الحياة. لم يقنعني كلامه مطلقا، لكنني لا أستطيع
أن أنكر أن وجهة النظر هذه لا تختلف كثيرا عما أسمعه في الشارع المصري.
يؤكد دراج أنه ما من داع للخوف على حرية
التدين بقوله: "إن موقفنا من هذه القضية واضح للغاية: نحن نؤيد الحرية
الشخصية بالكامل. لا يمكن لأحد أن يجبر الآخرين على فعل ما يخالف رغبتهم. هذا هو
موقف الإسلام". وهنا أثرت قضية بطاقات الهوية الشخصية التي تصنف المصريين على
أنهم من المسلمين أو المسيحيين أو اليهود، متجاهلة وجود بعض الأقليات الأخرى مثل
البهائيين (يمكن أن تبقى خانة الدين في الهوية خالية لكن لا يجوز ملؤها بغير واحد
من الأديان الثلاثة المذكورة). وكان رد دراج حاسما: يحق للبهائيين أن يفعلوا ما
يشاؤون داخل بيوتهم، لكن الإسلام لا يعترف بدينهم، والإسلام هو أساس الدولة. انتهى
النقاش.
والحقيقة أن غالبية المصريين يؤيدون هذا
الرأي.
يعترف دراج أن حزب الحرية والعدالة ما زال في
بداياته كحزب سياسي. والواقع أن الصحف المحلية تنشر بين الفينة والأخرى عددا من
التصريحات المتناقضة التي يطلقها كبار قياديي الحزب حول العديد من القضايا مثل شرب
الكحول.
وعند الحديث عن وسائل الإعلام، يصرح دراج أنه
يعتقد بوجود تحيز ضد الإخوان. وعندما سألني عن رأيي في الموضوع أجبته بالقول إن
الإخوان المسلمين لم يدخلوا معترك السياسة إلا لكي ينالوا فرصة تحقيق هدفهم الأسمى
وهو أسلمة مصر. وهي بالفعل تروج لمبادئها في النقابات المهنية والجامعات والمدارس
الخاصة والجمعيات الخيرية. وقلت له: لو كنت مكانكم لاستغللت فوز الحركة
بالانتخابات في السيطرة على الوزارات الاجتماعية مثل وزارة الإسكان ووزارة التربية
والتعليم ووزارة الاتصالات. ابتعدوا عن وزارة الخارجية لأنها ستسبب لكم الصداع.
وأنتم لا ترغبون في التخلي عن ملياري دولار من المساعدات الأمريكية عبر اضراركم
للإجابة عن تساؤلات المصريين حول معاهدة كامب ديفيد سيئة الصيت. لقد حان الوقت
للتركيز على تحقيق هدفكم المعلن بتحسين الأوضاع المعيشية ونشر ثقافة التدين في
المناهج الدراسية والبرامج التلفزيونية وكل ما يؤثر على النسيج الأساسي للمجتمع.
يبتسم دراج ويقول ممازحا إنني يجب أن أكون
ناطقة باسم الجماعة. وهنا قلت له إن استراتيجية الإخوان المسلمين هي الأكثر إثارة
للخوف: إذا نجحوا في تحقيق مبتغاهم النهائي فلن يجدوا لهم معارضا في النهاية.
فأجاب دراج: "بالضبط. وليس ثمة ما يخيف في مجتمع إسلامي".
والحقيقة أيضا أن غالبية المصريين يؤيدونه في
هذا.
*صحفية مقيمة في القاهرة تكتب لعدد من الصحف مثل أتلانتيك فورين بوليسي، جي كيو، نيوزويك، وغيرها.
*صحفية مقيمة في القاهرة تكتب لعدد من الصحف مثل أتلانتيك فورين بوليسي، جي كيو، نيوزويك، وغيرها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق