السبت، يناير 28، 2012

دراسة: تعريف جديد للتوحد سوف يؤدي لاستبعاد الكثيرين



أظهرت دراسة حديثة أن التعديلات المقترح إدخالها على تعريف التوحد سوف تؤدي إلى تخفيض وتيرة الارتفاع الهائل في معدل تشخيص هذا الاضطراب ويمكن أن يؤدي إلى صعوبة حصول الأفراد الذين يستثنيهم التعريف الجديد على الخدمات الصحية والتربوية والاجتماعية.
 
يعكف في الوقت الحالي فريق من الخبراء من الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين (APA) على  إعادة تقييم التعريف القائم للتوحد، ويأتي هذا استكمالا للعمل على إصدار الطبعة الخامسة من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM) الذي تصدره الجمعية، وهذه المراجعة هي الأولى منذ 17 عاما. يعد هذا الدليل المرجع الأساسي للاضطرابات النفسية فيما يتعلق بالقرارات المتخذة حول البحث العلمي والعلاج والتأمين. ويتوقع معظم المختصين أن يجعل الدليل الجديد معايير التوحد أكثر تشددا، ولكن درجة التشدد لا تزال غير معلومة. 


لا تزال نتائج الدراسة المذكورة أولية، لكنها تتضمن أكثر التقديرات حدة لمدى تأثير التشدد في معايير التوحد على معدل التشخيص. لقد أقر الكثير من الخبراء على مدى سنوات طويلة بأن ضبابية المعايير الحالية للتوحد والاضطرابات المتصلة به مثل متلازمة أسبرغر أدت إلى ارتفاع معدل التشخيص، الذي وصل في بعض التقديرات إلى طفل واحد من كل 100 طفل.



وتخوض الجمعية الآن صراعا مع أحد أكثر الأسئلة إلحاحا في مجال الصحة النفسية – أين يكون الحد الفاصل بين غير الاعتيادي وغير الطبيعي -  ولا شك في أن القرارات التي ستتخذها سوف تكون لها آثار مؤلمة على بعض الأسر. فبينما تشهد المدارس تقلصا في حجم الميزانيات المخصصة للتربية الخاصة، يمكن أن يؤدي التشخيص الجديد إلى إشعال معارك أكثر حدة. يتلقى عشرات الآلاف من الأفراد خدمات مدعومة من الدولة للمساعدة على التخفيف من آثار إعاقاتهم، التي قد تنطوي أحيانا على مشكلات تعلمية واجتماعية حادة، ويمثل التشخيص نقطة مركزية في حياتهم من عدة جوانب. لقد تكونت شبكات متقاربة من أولياء الأمور الذين يتقاسمون تجارب مشتركة مع أطفالهم، ويمكن أن يستفيد الأطفال من هذه الشبكات في تحديد هويتهم وكيفية الصراع مع الاضطرابات التي يعانون منها. 


من المحتمل أن تؤدي التعديلات المقترحة إلى استبعاد الأفراد الذين يقدمون أداء مرتفعا في التشخيص. تقول ماري ماير من نيوجيرسي: "أنا قلقة جدا من التعديلات المقترحة لأنني لا أدري إن كان التعريف الجديد سينطبق على ابنتي أم لا". كان تشخيص متلازمة أسبرغر لابنتها ذات ال37 عاما ضروريا للحصول على خدمات ساعدتها كثيرا. "إنها الآن مصنفة على أنها معاقة، وهذا يعود جزئيا لكونها مصابة بمتلازمة أسبرغر؛ وأرجو أن أتمكن من إدخالها في برنامج السكن الداخلي، وهذا أيضا يعتمد على تشخيصها".


إن الدراسة الجديدة، التي تم تقديمها يوم الخميس 19/1/2012 للجمعية الطبية الآيسلندية، تفتح بابا واسعا للنقاش حول مدى تأثير التعديلات المقترحة على الأفراد.


يقول الدكتور فريد فولكمار، مدير مركز دراسات الأطفال في كلية الطب بجامعة ييل وصاحب الدراسة حول التعديلات المقترحة، إن هذه التعديلات سوف تؤدي إلى تضييق نطاق التشخيص بحيث تضع حدا للارتفاع الكبير في أعداد الأفراد الذين يتم تشخيصهم على أنهم مصابون بالتوحد، أو "القضاء عليه في مهده" على حد تعبيره.


أما الخبراء العاملون على إصدار التعريف الجديد للجمعية، الذين كان فولكمار واحدا منهم قبل أن يتقدم باستقالته، فيعارضون بشدة ما يقال عن الآثار المتوقعة للتعريف الجديد. تقول الدكتورة كاثرين لورد، عضوة في اللجنة المكلفة بصياغة التعريف، في معرض وصفها لتقرير الدكتور فولكمار: "أنا لا أعرف من أين يأتون بهذه الأرقام".


وأكدت الدكتورة لورد أن التوقعات تشير إلى أن الأفراد الذين سيتم استبعادهم بموجب التعريف الجديد هم أقل بكثير مما يشاع. والجدير بالذكر أن الدكتورة لورد هي مديرة معهد نمو الدماغ، وهو مشروع مشترك لكل من مستشفى نيويورك-المشيخية، وكلية ويل الطبية بجامعة كورنيل، والمركز الطبي بجامعة كولومبيا، ومركز نيويورك للتوحد.


ويرى الدكتور ديفيد كوبفر، أستاذ الطب النفسي بجامعة بيتسبيرغ ورئيس اللجنة المكلفة بإعداد التعديلات، أن الخلاف حول آثار التعريف الجديد للتوحد سوف يؤدي بصورة شبه مؤكدة إلى زيادة الاهتمام بأدق التفاصيل التي تتضمنها تعديلات الجمعية على دليلها.


تم تشخيص ما لا يقل عن مليون من الأطفال والراشدين على أنهم يعانون من التوحد أو اضطراب مرتبط به مثل متلازمة أسبرغر والاضطراب النمائي العام غير المحدد (PDD-NOS). يواجه الأفراد المصابون بمتلازمة أسبرغر أو اضطراب (PDD-NOS) بعضا من المشكلات الاجتماعية التي يواجهها التوحديون لكنهم لا يندرجون ضمن التصنيف الكامل للتوحد. سوف تؤدي التعديلات المقترحة إلى وضع المجموعات الثلاث ضمن فئة واحدة هي اضطراب الطيف التوحدي، بحيث تتم إزالة متلازمة أسبرغر واضطراب (PDD-NOS) من الدليل كليا. بناء على المعايير المعتمدة حاليا، يعتبر الفرد مصابا بالاضطراب إذا أظهر 6 سلوكات على الأقل من أصل 12؛ أما وفق التعريف المقترح فإن على الفرد أن يظهر 3 جوانب نقص في التفاعل والتواصل الاجتماعيين وسلوكين نمطيين على الأقل، وبهذا تكون القائمة الناتجة أضيق بكثير.


يقول الدكتور كوبفر إن التعديلات هي محاولة للكشف عن مدى التنوع في فئات التوحد ووضعها تحت مظلة واحدة، لكن هذا لم يحد من مخاوف الكثير من النشطاء في هذا المجال.


تقول رئيسة شبكة متلازمة أسبرغر التعليمية لوري شيلي: " إننا نخشى من أن تكون هذه التعديلات خطوة كبيرة للوراء". وتضيف: "إذا قال الأطباء 'إن هؤلاء الأطفال لا يحققون المعايير المطلوبة لتشخيصهم ضمن فئة طيف التوحد' فإنهم لن يحصلوا على حاجتهم من الدعم والخدمات، وسوف يعايشون الفشل".


أما مدير جمعية "التوحد يتكلم" مارك رويذماير فيرى أن التعديلات الجديدة سوف تكون أكثر دقة لكن أثرها على الخدمات لا يزال غير واضح. وأكد رويذماير في رسالة إلكترونية أن "علينا أن نراقب باهتمام بالغ أثر هذه التعديلات على إمكانية الوصول للخدمات والتأكد من عدم حرمان أي فرد من الخدمات التي يحتاجها" وأضاف: "بعض العلاجات والخدمات تعتمد بالكامل على تشخيص الفرد، بينما يعتمد البعض الآخر منها على معايير أخرى مثل العمر ومعامل الذكاء (IQ) والتاريخ المرضي".

في الدراسة الجديدة، استخدام الدكتور فولكمار (إضافة إلى زميليه في جامعة ييل: برايان ريتشو وجيمس ماكبارتلاند) بيانات مأخوذة من دراسة ضخمة أجريت عام 1993 لتكون أساسا للمعايير المعمول بها الآن. وركز الثلاثة على 372 طفلا وبالغا كانوا من بين الأفضل أداء في تلك الدراسة ووجدوا أن 45 بالمائة منهم فقط مؤهلون ليتم تشخيصهم باضطراب طيف التوحد وفق المراجعة الجديدة.


اعترف الباحثون أن تركيزهم على المجموعة ذات الأداء المرتفع ربما كان السبب في انخفاض النسبة المئوية، ولكنهم أكدوا أن احتمالية التعرض للاستبعاد بموجب التعريف الجديد تعتمد على التشخيص الأصلي كما يلي: ربع الذين شخصوا على أنهم يعانون من التوحد بمفهومه الكلاسيكي عام 1993 لن تعتبرهم المعايير الجديدة توحديين، وثلاثة أرباع الذين تم تشخيصهم عام 1993 بأنهم مصابون بمتلازمة أسبرغر لن يعترف بهم التعريف الجديد، و85 بالمائة من الذين تم تشخيصهم عام 1993 بأنهم مصابون باضطراب (PDD-NOS) سيكونون خارج نطاق التعريف الجديد.


قدم الدكتور فولكمار النتائج الأولية للدراسة يوم الخميس 19 يناير. وسوف ينشر الباحثون دراستهم على نطاق أوسع، بناء على عينة أكبر حجما وأكثر تمثيلا تضم 1,000 فرد، في وقت لاحق من هذا العام. وصرح الدكتور فولكمار بأنه بالرغم من أن التشخيص المقترح سوف يكون خاصا باضطرابات طيف التوحد ويوحي بأنه سيكون أوسع نطاقا من سابقه، فإنه سوف يركز على "التوحديين الكلاسيكيين" من الأطفال على الجهة الأكثر تطرفا من المنحنى المعياري، وقال إن "الأكثر تضررا من التعريف الجديد هم ذوو القدرات المعرفية الأكبر".


من جهتها قالت الدكتورة لورد إن الأرقام التي أوردتها الدراسة مبالغ فيها لأن فريق الدراسة اعتمد على بيانات قديمة كان قد جمعها عدد من الأطباء الذين لم يكونوا على علم بالسلوكات المطلوبة للتعريف المقترح آنذاك، وأضافت "هذا لا يعني أن السلوكات لم تكن موجودة آنذاك، وإنما يعني أنهم لم يكونوا يسألون عنها أصلا وبالتالي فإنها لم تظهر في البيانات".


وعقب الدكتور فولكمار بالقول إن ذلك ربما يكون صحيحا لكنه أوضح أن المشكلات الخاصة بنقل البيانات لا تبرر الفوارق الكبيرة في النسب.

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

اخي محمد
تمنيت لو انك ذكرت المصدر الذي ترجمت المقال عن طريقه وذلك للحقوق الفكرية

محمد أبوشعبان يقول...

الأخ/ الأخت "غير معرف" أشكرك على الملاحظة الكريمة، وأود أن ألفت نظرك إلى أنك إذا ضغطت على اسم كاتب المقال فسوف ينتقل بك الرابط إلى المقال الأصلي باللغة الإنجليزية على صحيفة نيويورك تايمز، وهذا هو الأسلوب المتبع لدي في ترجمة المقالات التي أختارها.. فحق الكاتب محفوظ وحق القارئ كذلك، ولك مني تحية طيبة.