من غرائب هذا الزمن ما بتنا نراه في كل مكان من حولنا من حملات ترويجية نشطة، تتميز جميعها بالتمويل السخي والحيوية المفرطة في صفوف العاملين عليها، حتى يخالهم المرء من المدافعين عن توجهاتها طوال حياتهم. ومما يدهش المتابع أن هذه الحملات ظهرت خلال السنوات العشر الأخيرة وانتشرت بين ظهرانينا بسرعة هائلة ودعم لانهائي، وأنها جميعا تعتمد نظام الكلمة الواحدة في تسميتها، فمن "إرادة" إلى "إنتاج" و"مساواة" وغيرها الكثير الكثير يحتار المرء في سر هذه التسميات التي لم نكن نراها حتى وقت قريب.
ولا يخفى أن جهة واحدة تقف وراء حملات الكلمة الواحدة هذه، وأن هذه الجهة أمريكية تزعم أنها وكالة تنمية دولية، ولا أراها إلا وكالة هدم وتدمير! ولعل الأولى بهذه الوكالة أن تلتفت إلى مواطنيها الذين يفتك الجوع والجهل بالملايين منهم ولا يجدون سامعا لصياحهم أو معينا، وتنتشر الأمراض والجرائم بينهم فلا نجد لهذه الوكالة بينهم صوتا ولا صدى.
والحق أن ما تقوم به هذه الوكالة من أعمال في بلادنا ينم عن دهاء شديد يدل على أنها يديرها أناس ذوو حظ عظيم من الذكاء، والذكاء ليس كله محمودا. وهكذا نجد الوكالة تخاطب جيل الشباب، مع تركيز على الشابات بالذات. فنجدها تتقرب إليهم في جامعاتهم ومعاهدهم وتخاطبهم بالكلمة الطيبة، والصورة المبهرة، والمنطق القوي..وأيضا: المنطق ليس كله صوابا. وفي وسط الفراغ الذي يسبح فيه الشباب منا والشابات، تتسرب شعارات الكلمة الواحدة بسرعة مدهشة إلى النفس الخاوية فتزيدها خواء على خواء، ثم تبحث عن أخرى وأخرى.
العمل مع هذه الوكالة سهل ميسر، والعمل ضدها صعب منكر.
لم تبق أرض لنا لم تطأها أقدام هؤلاء الملاعين. والمشكلة أنهم لم يعودوا يأتون بأنفسهم بل جندوا لهم جنودا يتكلمون باسمهم، ويدافعون كل الدفاع عن أفكارهم. ومن عجب أيضا أن ولاة الأمر لا يرون حرجا على الإطلاق في ترك هؤلاء يبثون سمومهم بين عباد الله بغير رقيب ولا حسيب، إلا من أكرمه الله بقلب نابض، وفكر ثاقب..وبصيرة بصيرة.
السكوت على حملات الكلمة الواحدة جريمة لا تقل عن جرائمهم، وعسى إن كان في العمر بقية أن أكتب المزيد عن هؤلاء المجرمين وأفضح شرورهم لعل النصيحة تجدي نفعا، فالوعي الوعي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق